الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم
دراسة المخطوط :
أولاً : أماكن وجودها و وصفها باختصار :
توجد عدة نسخ من هذا الكتاب في مكتبات العالم ، منها :
1- نسخة في مكتبة برلين برقم ( 4730 ) . انظر : بروكلمان ( 8 / 166 ) .
وتقع هذه النسخة في ( 22 ) صفحة ، ضمن مجموع . و قد وقع السقط فيها في موضعين بمقدار ورقتين . و يلاحظ عليها كثرة الأخطاء و التصحيف ، و زيادة حروف العطف أو إنقاصها . و ناسخ هذه النسخة هو : صالح بن شايع - المشهور بالبغدادي - ، و قد تمَّ نسخها في سنة 1216 . و قد قابلتها على نسخة " الحرم المدني " الآتية . و رمزت لها بـ" ب " .
2- نسخة في " ميونيخ " برقم 884 . انظر : بروكلمان ( 8 / 166) .
3- نسخة الإسكندرية ، فنون 67 ، 68 / 2 . انظر : بروكلمان ( 8/166) .
4- نسخة مصورة محفوظة على ميكروفيلم في مكتبة المسجد النبوي بالمدينة . برقم ( ) ، و تقع في ثمان ورقات . و جعلتها أصلاً في إثبات النص لوضوح خطها ، و قلة التصحيف و الأخطاء فيها ، و لتمامها و عدم وجود نقص فيها . و إذا قلت " في الأصل " أو نحو ذلك ، فإياها أعني .
ثانياً : صحة نسبة الرسالة للمؤلف :
نسب هذه الرسالة لخير الدين الرملي غير واحد من الأعلام ، منهم :
1- المحبي في " خلاصة الأثر " ( 2/134 ) .
2- و أثبتها ابنه في قائمة مصنفات أبيه عندما ذكر مصنفات والده في تقدمته لـ" نزهة النواظر شرح الأشباه و النظائر " ، المطبوع في المجلد الأخير من كتاب " غمز العيون و البصائر " .
3- و نسب بروكلمان الرسالة للمؤلف في " تاريخ الأدب العربي " ( 8 / 166 ) .
4- و من ذلك ما قاله ابن عابدين في " تنقيح الحامدية " عن من تصدى لهذه المسألة ، إذ قال :" و منهم عالم فلسطين المرحوم الشيخ خير الدين ، و رسالته من أشرفها و أسماها ، و قد سماها " الفوز و الغنم في الشرف من الأم " ، … " . و قال في موضع آخر منها :" … ، كما أفتى به الخير الرملي ، و ألف فيه رسالة سماها الفوز والغنم في مسألة الشريف من الأم " . أهـ .
5- و من النصوص الدالة على إثبات الرسالة للمؤلف قوله رحمه الله في " الفتاوى الخيرية " لما سئل عن مسألة " الشرف من الأم " :" و لنا في ذلك رسالة مسماة بـ" الفوز و الغنم في مسألة الشرف من الأم " ، فمن أراد زيادة في ذلك فليرجع إليها " أهـ .
فالرسالة بما سبق ثابتة النسبة للمؤلف ، و لله الحمد .
ثالثاً : ترجمة مقتضبة للمؤلف :
اسمه و نسبه :
هو الشيخ خير الدين بن أحمد بن نور الدين علي بن زين الدين بن عبدالوهاب الأيوبي العُلَيْمِي الفاروقي الرملي . و العليمي نسبة لعلي بن عليم ممن ينتسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه . و يقال في علي بن عُليم : " علي بن عُليل " ، باللام و الميم كما في مشجرات النسب للزبيدي .
مولده :
كان مولده رحمه الله تعالى بالرملة في أوائل شهور رمضان من سنة 993 .
قال في حقه المحبي في " الخلاصة " :" … ، الإمام ، المفسر ، المحدث ، الفقيه ، اللغوي ، الصرفي ، النحوي ، البياني ، العروضي ، المعمر ، شيخ الحنفية في عصره ، و صاحب الفتاوى السائرة " .
و كانت " الرملة " في زمنه أعدل البلاد ، و للشرع بها ناموس عظيم ، و كذا في غالب البلاد القريبة منها ، فإنه كان إذا حكم على إنسان بغير وجه شرعي ، جاءه المحكوم عليه بصورة حجة القاضي ، فيفتيه ببطلانه ، فتنفذ فتواه ، و قلَّ أن تقع واقعة مشكلة في دمشق أو غيرها من المدن الكبار إلا و يستفتى فيها مع كثرة العلماء و المفتين . و كانت أعراب البوادي إذا وصلت إليهم فتواه لا يختلفون فيها مع أنهم لا يعملون بالشرع في غالب أمورهم ، ..
و أخذ رحمه الله تعالى في غرس الكروم و الأشجار و مباشرتها بيده حتى أنه غرس ألوفاً من الأشجار المختلفة من الفواكه و التين و الزيتون ، و حصل أملاكاً و عقارات ، غالبها من بناءه ، و كان يأكل منها ، و كسبه من حل ، و لم يتعرض للجهات و الأوقاف ، و لهذا كان يقول :
بورك لي في المر و المسحاة فما هو الملجيء للجهات
و هي إذا قام عليها صدقة و للذي فرط نار محرقة
و كانت خيراته عامة على أهله و أتباعه و جيرانه بل على أهل بلده ، و انتفعوا به ديناً و دنيا ، و رمَّمَ كثيراً من جوامعها و مساجدها ، ..
و حصل رحمه الله تعالى من الكتب شيئاً كثيراً ، ما ينوف عن ألف و مائتي مجلد ، غالبها من نفائس الكتب و مشاهيرها من كل علم ، و كان عنده منها نسخ مكررة ، و انتفع به خلق لا يحصون ، و كانت الوزراء و الأمراء و الموالي و العلماء و المشايخ يسعون إليه ، ..
تآليفه :
1- حاشية على منح الغفار .
2- حاشية على شرح الكنز للعيني .
3- حاشية على الأشباه و النظائر . اسمها :" نزهة النواظر "
4- حاشية على البحر الرائق .
5- رسالة فيمن قال إن فعلت كذا فأنا كافر .
6- ديوان شعر ، مرتب على المعجم ، رآه المحبي و انتخب منه .
7- الفتاوى الخيرية .
و غيرها من التآليف و الرسائل النافعة . و قد جمع ابنه زين الدين حواشيه ، فبلغت مائة و خمسون كراساً في مسطرة خمسة و عشرين سطراً في قطع النصف بخط معتدل .
و فاته : توفي رحمه الله تعالى في ليلة الأحد قرب الفجر في 27 من رمضان من سنة 1081 ، و دفن بمحلة " الباشقردي " .
رابعاً : تحقيق مقدمة الرسالة .
(1 أ )
الفوز والغنم في مسألة الشرف بالأم
تأليف
الشيخ الإمام العلامة الشيخ خير الدين أحمد بن علي الرملي الحنفي
تغمده الله برحمته و أسكنه فسيح جنته
بمنه و كرمه
آمين
( 1ب )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين ، و على سائر الأنبياء والمرسلين ، و على آلهم و صحبهم أجمعين . أما بعد :
فقد ورد إلى شيخنا و أستاذنا شيخ الاسلام والمسلمين ، بقية السلف الطاهرين ، أدام الله تعالى النفع به آمين ، من مصر المحروسة حرسها الله تعالى من كل سوء و سائر بلاد المسلمين أواخر جمادى الثانية سنة 1073 ، سؤال صورته :" إلى مولانا شيخ الاسلام والمسلمين ، خاتم العلماء المحققين ، حامل لواء خاتم النبيين ، العالم العلامة مفيد الطالبين عين أعيان السادة المكرمين ، الشيخ الفاضل رئيس القطر خير الدين ، متع الله تعالى بطول حياته المسلمين ، و أفاض علينا من بركاته آمين ، ( بعد السلام مع الدعاء الدائم على الذات التي لا تخاف في الله لومة لائم ) : نبدي له كثرة الأشواق للحضرة الفائضة المكارم : إنَّ قضية السادة الأشراف أولاد الحسن والحسين و أولاد أولادهم المتبادر الشرف لهم من جهة آبائهم ، لأن النسب للآباء كما صرح به شيخ الاسلام السرخسي في أصوله ، حيث قال :" الثابت بالإشارة - أي إشارة النص - أحكام ، منها : أن نسبة الولد للأب ، لأن إضافة الولد إليه بحرف الجر :"و على المولود له " ( البقرة : آية رقم ) ، فيكون دليلاً على أنه هو المختص بالنسبة إليه ؛ و تبعه في " المنار " ، و قال شارحه العلامة ابن فرسته :" حتى لو كان الأب قرشياً ، و الأم عجمية ، يكون قرشياً " ؛ و غير واحد من شراح " الهداية " و غيرها ، صرَّحَ : بأن الولد يتبع الأم في الحرية ، و الرق ، و التدبير ، و الكتابة و حكم أمية الولد ، ففي النسب : الأب ، و في الدين : خيرهما ديناً " .
و قال في " خزانة الأكمل " في كتاب الوقف :" لو قال أرضي موقوفة لله أبداً على آل العباس بن عبدالمطلب ، فالآل كل من كان ينسب بأبيه من الذكور و الإناث من العباس " . و فيها :" لو قالت امرأة : و قفت كذا على أهل بيتي ، لا يدخل فيه ولدها ، إذا كان أبوه من قوم آخرين ؛ و كذا لو قالت : على جنسي " . و قال في "خزانة المفتين " : لو قال مالي لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ( 2 أ ) و هم يحصون ، جاز ، لأن هذه وظيفة ، و ليست بصدقة ، و يصرف إلى أولاد فاطمة " .
و قال فيها أيضاً :" و قف ضيعة على أولاده ، و أولاد أولاده أبداً ما تناسلوا ، و له أولاد أولاد ، قسم بينهم بالسوية ، لا يفضل الذكور على الإناث ، لأنه أوجب الحق لهم على السوية . و أولاد البنات لا يدخلون في ظاهر الرواية ؛ و كذا لو كان مع الوقف وصية ؛ و الفتوى على ظاهر الرواية ، لأن أولاد البنات ليسوا بأولاد أولاده ، لأنهم منسوبون إلى الأب لا إلى الأم ، و مثله في غيرها .
و من ثمة أفتى العلامة زين به ، حيث سئل في شريف تزوج أمة ، فولدت ولداً ، هل يكون الولد شريفاً لأبيه ، أو لأمه ؟! و هل يعطى له حكم الشرف ؟ و هل إذا كان على العكس يكون كذلك ؟ فأجاب :" شرف الولد بشرف أبيه ، فابن الشريف شريف ، و إن كانت أمه أمة ، و ابن غير الشريف ليس بشريف ، و إن كانت أمه شريفة ، كذا في فتاواه التي جمعها الشيخ أحمد ؛ و في التي جمعها ابن الخطيب : سئل عن ولد الشريفة هل يكون شريفاً كأمه أم لا ؟ فأجاب : " إن لم يكن أبوه شريفاً ، لا يكون شريفاً لأمه " . و الحال أن فضل العلامة زين لا يخفى على الأكابر ، و لا ينازع فيه إلا مكابر . هذا صريح هذه الكتب .
ثم رأيت صورة فتوى منقولة في ورقة منسوبة إلى الشيخ عبدالقادر الرفاعي - و بلغني أنه من تلامذة الشيخ محمد المحبي - ما نصها :" قال مولانا مفتي الثقلين أحمد بن كمال باشا في بعض مجامعه : قال شمس الأئمة الحلواني :" الفتوى على أن من كانت أمه سيدة ، يكون ولدها سيداً ، كما في جامع الفتاوى و غيره . و مثله في "كامل الفتاوى" ، قال :و إذا كانت المرأة سيدة ، فالمختار أن يكون ولدها سيداً ، كذا في الفتاوى ، و الوجيز ، و التمهيد . و في " الجامع الكبير " بخط شيخ الاسلام العلامة السعتاقي : سألت الشيخ حميد الدين عمن له أم سيدة ، و أب ليس سيد ، هل هو سيد ؟ فقال : هو سيد ، و استدل بأن الله تعالى جعل عيسى عليه السلام من ذرية نوح و إبراهيم عليهما السلام من جهة الأم ، قال الله تعالى:" و تلك حجتنا آتيناها … " الآية . و رأيت في " التأويلات " : أن عيسى عليه السلام من أولاد إسحاق ، على نبينا و عليهما الصلاة والسلام " . كذا في " مجموع الفتاوي الغياثية " ، و مثله في " فتاوى الإمام الأتاسي " . ( 2 ب ) و على هذا يكون له الشرف منها ، و له أن يلبس علامة الشرف على رأسه ! ".انتهى.
ثم رأيت في ورقة ، قيل إنها منسوبة إلى مفتي الديار الرومية - بعد كلام طويل - : إنه يثبت له الشرف ، و قال :" إن بعض علمائنا جعل في ذلك قياساً منطقياً من الضرب الأول من الشكل الأول ، مركباً من صغرى و كبرى . و صغراه في عشرة أوجه ، و أما كبراه ، فلم نحتج إلى بيان و تحرير كونه من مقدمتين يقينيتين : تعين أن الولد بضعة منها ؛ (و هي بضعة من أبيها ) ؛ فكيف لا يثبت له ما يثبت لها ؟ و لهذا حكمنا بشرف الحسن و الحسين " .
و قد أُفْرِدَتْ هذه المسألة بالتصنيف ، و هي حقيقة بالتأليف .
و ما نُقِلَ عن الرفاعي بِرُمتِهِ من غير تصرف ، و إنْ كان فيه بعض سقم .
و من عالي الهمة العلية إرسال صريح المنقول فيما قاله العلامة زين ابن نجيم ، و ما في هذه الفتاوي المخالفة لما ذكره ، مما لم نقف على الكتب المعزو إليها ، فإن كانت لها صحة في الفروع ، فتخبرونا بذلك مع التصريح منها بالنقل الصريح ، لأن هذه الواقعة لم يساعد فيها إلا المنقول الصريح ، و لم ينظر فيها إلى الدليل لأنه من مرتبة المجتهدين ، إلى كل من وقفتم عليه من هذا و هذا .
جعلكم الله مرجعاً للأنام ، يشفى بكم الغليل ، و يظهر بما تبينونه المعل و العليل ، و أنتم في خير و نعمة من العلي الجليل ". انتهىكلامه .
دراسة المخطوط :
أولاً : أماكن وجودها و وصفها باختصار :
توجد عدة نسخ من هذا الكتاب في مكتبات العالم ، منها :
1- نسخة في مكتبة برلين برقم ( 4730 ) . انظر : بروكلمان ( 8 / 166 ) .
وتقع هذه النسخة في ( 22 ) صفحة ، ضمن مجموع . و قد وقع السقط فيها في موضعين بمقدار ورقتين . و يلاحظ عليها كثرة الأخطاء و التصحيف ، و زيادة حروف العطف أو إنقاصها . و ناسخ هذه النسخة هو : صالح بن شايع - المشهور بالبغدادي - ، و قد تمَّ نسخها في سنة 1216 . و قد قابلتها على نسخة " الحرم المدني " الآتية . و رمزت لها بـ" ب " .
2- نسخة في " ميونيخ " برقم 884 . انظر : بروكلمان ( 8 / 166) .
3- نسخة الإسكندرية ، فنون 67 ، 68 / 2 . انظر : بروكلمان ( 8/166) .
4- نسخة مصورة محفوظة على ميكروفيلم في مكتبة المسجد النبوي بالمدينة . برقم ( ) ، و تقع في ثمان ورقات . و جعلتها أصلاً في إثبات النص لوضوح خطها ، و قلة التصحيف و الأخطاء فيها ، و لتمامها و عدم وجود نقص فيها . و إذا قلت " في الأصل " أو نحو ذلك ، فإياها أعني .
ثانياً : صحة نسبة الرسالة للمؤلف :
نسب هذه الرسالة لخير الدين الرملي غير واحد من الأعلام ، منهم :
1- المحبي في " خلاصة الأثر " ( 2/134 ) .
2- و أثبتها ابنه في قائمة مصنفات أبيه عندما ذكر مصنفات والده في تقدمته لـ" نزهة النواظر شرح الأشباه و النظائر " ، المطبوع في المجلد الأخير من كتاب " غمز العيون و البصائر " .
3- و نسب بروكلمان الرسالة للمؤلف في " تاريخ الأدب العربي " ( 8 / 166 ) .
4- و من ذلك ما قاله ابن عابدين في " تنقيح الحامدية " عن من تصدى لهذه المسألة ، إذ قال :" و منهم عالم فلسطين المرحوم الشيخ خير الدين ، و رسالته من أشرفها و أسماها ، و قد سماها " الفوز و الغنم في الشرف من الأم " ، … " . و قال في موضع آخر منها :" … ، كما أفتى به الخير الرملي ، و ألف فيه رسالة سماها الفوز والغنم في مسألة الشريف من الأم " . أهـ .
5- و من النصوص الدالة على إثبات الرسالة للمؤلف قوله رحمه الله في " الفتاوى الخيرية " لما سئل عن مسألة " الشرف من الأم " :" و لنا في ذلك رسالة مسماة بـ" الفوز و الغنم في مسألة الشرف من الأم " ، فمن أراد زيادة في ذلك فليرجع إليها " أهـ .
فالرسالة بما سبق ثابتة النسبة للمؤلف ، و لله الحمد .
ثالثاً : ترجمة مقتضبة للمؤلف :
اسمه و نسبه :
هو الشيخ خير الدين بن أحمد بن نور الدين علي بن زين الدين بن عبدالوهاب الأيوبي العُلَيْمِي الفاروقي الرملي . و العليمي نسبة لعلي بن عليم ممن ينتسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه . و يقال في علي بن عُليم : " علي بن عُليل " ، باللام و الميم كما في مشجرات النسب للزبيدي .
مولده :
كان مولده رحمه الله تعالى بالرملة في أوائل شهور رمضان من سنة 993 .
قال في حقه المحبي في " الخلاصة " :" … ، الإمام ، المفسر ، المحدث ، الفقيه ، اللغوي ، الصرفي ، النحوي ، البياني ، العروضي ، المعمر ، شيخ الحنفية في عصره ، و صاحب الفتاوى السائرة " .
و كانت " الرملة " في زمنه أعدل البلاد ، و للشرع بها ناموس عظيم ، و كذا في غالب البلاد القريبة منها ، فإنه كان إذا حكم على إنسان بغير وجه شرعي ، جاءه المحكوم عليه بصورة حجة القاضي ، فيفتيه ببطلانه ، فتنفذ فتواه ، و قلَّ أن تقع واقعة مشكلة في دمشق أو غيرها من المدن الكبار إلا و يستفتى فيها مع كثرة العلماء و المفتين . و كانت أعراب البوادي إذا وصلت إليهم فتواه لا يختلفون فيها مع أنهم لا يعملون بالشرع في غالب أمورهم ، ..
و أخذ رحمه الله تعالى في غرس الكروم و الأشجار و مباشرتها بيده حتى أنه غرس ألوفاً من الأشجار المختلفة من الفواكه و التين و الزيتون ، و حصل أملاكاً و عقارات ، غالبها من بناءه ، و كان يأكل منها ، و كسبه من حل ، و لم يتعرض للجهات و الأوقاف ، و لهذا كان يقول :
بورك لي في المر و المسحاة فما هو الملجيء للجهات
و هي إذا قام عليها صدقة و للذي فرط نار محرقة
و كانت خيراته عامة على أهله و أتباعه و جيرانه بل على أهل بلده ، و انتفعوا به ديناً و دنيا ، و رمَّمَ كثيراً من جوامعها و مساجدها ، ..
و حصل رحمه الله تعالى من الكتب شيئاً كثيراً ، ما ينوف عن ألف و مائتي مجلد ، غالبها من نفائس الكتب و مشاهيرها من كل علم ، و كان عنده منها نسخ مكررة ، و انتفع به خلق لا يحصون ، و كانت الوزراء و الأمراء و الموالي و العلماء و المشايخ يسعون إليه ، ..
تآليفه :
1- حاشية على منح الغفار .
2- حاشية على شرح الكنز للعيني .
3- حاشية على الأشباه و النظائر . اسمها :" نزهة النواظر "
4- حاشية على البحر الرائق .
5- رسالة فيمن قال إن فعلت كذا فأنا كافر .
6- ديوان شعر ، مرتب على المعجم ، رآه المحبي و انتخب منه .
7- الفتاوى الخيرية .
و غيرها من التآليف و الرسائل النافعة . و قد جمع ابنه زين الدين حواشيه ، فبلغت مائة و خمسون كراساً في مسطرة خمسة و عشرين سطراً في قطع النصف بخط معتدل .
و فاته : توفي رحمه الله تعالى في ليلة الأحد قرب الفجر في 27 من رمضان من سنة 1081 ، و دفن بمحلة " الباشقردي " .
رابعاً : تحقيق مقدمة الرسالة .
(1 أ )
الفوز والغنم في مسألة الشرف بالأم
تأليف
الشيخ الإمام العلامة الشيخ خير الدين أحمد بن علي الرملي الحنفي
تغمده الله برحمته و أسكنه فسيح جنته
بمنه و كرمه
آمين
( 1ب )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين ، و على سائر الأنبياء والمرسلين ، و على آلهم و صحبهم أجمعين . أما بعد :
فقد ورد إلى شيخنا و أستاذنا شيخ الاسلام والمسلمين ، بقية السلف الطاهرين ، أدام الله تعالى النفع به آمين ، من مصر المحروسة حرسها الله تعالى من كل سوء و سائر بلاد المسلمين أواخر جمادى الثانية سنة 1073 ، سؤال صورته :" إلى مولانا شيخ الاسلام والمسلمين ، خاتم العلماء المحققين ، حامل لواء خاتم النبيين ، العالم العلامة مفيد الطالبين عين أعيان السادة المكرمين ، الشيخ الفاضل رئيس القطر خير الدين ، متع الله تعالى بطول حياته المسلمين ، و أفاض علينا من بركاته آمين ، ( بعد السلام مع الدعاء الدائم على الذات التي لا تخاف في الله لومة لائم ) : نبدي له كثرة الأشواق للحضرة الفائضة المكارم : إنَّ قضية السادة الأشراف أولاد الحسن والحسين و أولاد أولادهم المتبادر الشرف لهم من جهة آبائهم ، لأن النسب للآباء كما صرح به شيخ الاسلام السرخسي في أصوله ، حيث قال :" الثابت بالإشارة - أي إشارة النص - أحكام ، منها : أن نسبة الولد للأب ، لأن إضافة الولد إليه بحرف الجر :"و على المولود له " ( البقرة : آية رقم ) ، فيكون دليلاً على أنه هو المختص بالنسبة إليه ؛ و تبعه في " المنار " ، و قال شارحه العلامة ابن فرسته :" حتى لو كان الأب قرشياً ، و الأم عجمية ، يكون قرشياً " ؛ و غير واحد من شراح " الهداية " و غيرها ، صرَّحَ : بأن الولد يتبع الأم في الحرية ، و الرق ، و التدبير ، و الكتابة و حكم أمية الولد ، ففي النسب : الأب ، و في الدين : خيرهما ديناً " .
و قال في " خزانة الأكمل " في كتاب الوقف :" لو قال أرضي موقوفة لله أبداً على آل العباس بن عبدالمطلب ، فالآل كل من كان ينسب بأبيه من الذكور و الإناث من العباس " . و فيها :" لو قالت امرأة : و قفت كذا على أهل بيتي ، لا يدخل فيه ولدها ، إذا كان أبوه من قوم آخرين ؛ و كذا لو قالت : على جنسي " . و قال في "خزانة المفتين " : لو قال مالي لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ( 2 أ ) و هم يحصون ، جاز ، لأن هذه وظيفة ، و ليست بصدقة ، و يصرف إلى أولاد فاطمة " .
و قال فيها أيضاً :" و قف ضيعة على أولاده ، و أولاد أولاده أبداً ما تناسلوا ، و له أولاد أولاد ، قسم بينهم بالسوية ، لا يفضل الذكور على الإناث ، لأنه أوجب الحق لهم على السوية . و أولاد البنات لا يدخلون في ظاهر الرواية ؛ و كذا لو كان مع الوقف وصية ؛ و الفتوى على ظاهر الرواية ، لأن أولاد البنات ليسوا بأولاد أولاده ، لأنهم منسوبون إلى الأب لا إلى الأم ، و مثله في غيرها .
و من ثمة أفتى العلامة زين به ، حيث سئل في شريف تزوج أمة ، فولدت ولداً ، هل يكون الولد شريفاً لأبيه ، أو لأمه ؟! و هل يعطى له حكم الشرف ؟ و هل إذا كان على العكس يكون كذلك ؟ فأجاب :" شرف الولد بشرف أبيه ، فابن الشريف شريف ، و إن كانت أمه أمة ، و ابن غير الشريف ليس بشريف ، و إن كانت أمه شريفة ، كذا في فتاواه التي جمعها الشيخ أحمد ؛ و في التي جمعها ابن الخطيب : سئل عن ولد الشريفة هل يكون شريفاً كأمه أم لا ؟ فأجاب : " إن لم يكن أبوه شريفاً ، لا يكون شريفاً لأمه " . و الحال أن فضل العلامة زين لا يخفى على الأكابر ، و لا ينازع فيه إلا مكابر . هذا صريح هذه الكتب .
ثم رأيت صورة فتوى منقولة في ورقة منسوبة إلى الشيخ عبدالقادر الرفاعي - و بلغني أنه من تلامذة الشيخ محمد المحبي - ما نصها :" قال مولانا مفتي الثقلين أحمد بن كمال باشا في بعض مجامعه : قال شمس الأئمة الحلواني :" الفتوى على أن من كانت أمه سيدة ، يكون ولدها سيداً ، كما في جامع الفتاوى و غيره . و مثله في "كامل الفتاوى" ، قال :و إذا كانت المرأة سيدة ، فالمختار أن يكون ولدها سيداً ، كذا في الفتاوى ، و الوجيز ، و التمهيد . و في " الجامع الكبير " بخط شيخ الاسلام العلامة السعتاقي : سألت الشيخ حميد الدين عمن له أم سيدة ، و أب ليس سيد ، هل هو سيد ؟ فقال : هو سيد ، و استدل بأن الله تعالى جعل عيسى عليه السلام من ذرية نوح و إبراهيم عليهما السلام من جهة الأم ، قال الله تعالى:" و تلك حجتنا آتيناها … " الآية . و رأيت في " التأويلات " : أن عيسى عليه السلام من أولاد إسحاق ، على نبينا و عليهما الصلاة والسلام " . كذا في " مجموع الفتاوي الغياثية " ، و مثله في " فتاوى الإمام الأتاسي " . ( 2 ب ) و على هذا يكون له الشرف منها ، و له أن يلبس علامة الشرف على رأسه ! ".انتهى.
ثم رأيت في ورقة ، قيل إنها منسوبة إلى مفتي الديار الرومية - بعد كلام طويل - : إنه يثبت له الشرف ، و قال :" إن بعض علمائنا جعل في ذلك قياساً منطقياً من الضرب الأول من الشكل الأول ، مركباً من صغرى و كبرى . و صغراه في عشرة أوجه ، و أما كبراه ، فلم نحتج إلى بيان و تحرير كونه من مقدمتين يقينيتين : تعين أن الولد بضعة منها ؛ (و هي بضعة من أبيها ) ؛ فكيف لا يثبت له ما يثبت لها ؟ و لهذا حكمنا بشرف الحسن و الحسين " .
و قد أُفْرِدَتْ هذه المسألة بالتصنيف ، و هي حقيقة بالتأليف .
و ما نُقِلَ عن الرفاعي بِرُمتِهِ من غير تصرف ، و إنْ كان فيه بعض سقم .
و من عالي الهمة العلية إرسال صريح المنقول فيما قاله العلامة زين ابن نجيم ، و ما في هذه الفتاوي المخالفة لما ذكره ، مما لم نقف على الكتب المعزو إليها ، فإن كانت لها صحة في الفروع ، فتخبرونا بذلك مع التصريح منها بالنقل الصريح ، لأن هذه الواقعة لم يساعد فيها إلا المنقول الصريح ، و لم ينظر فيها إلى الدليل لأنه من مرتبة المجتهدين ، إلى كل من وقفتم عليه من هذا و هذا .
جعلكم الله مرجعاً للأنام ، يشفى بكم الغليل ، و يظهر بما تبينونه المعل و العليل ، و أنتم في خير و نعمة من العلي الجليل ". انتهىكلامه .