مختصرالجمع والضم في مسألةالشرف من الأم (1 )
الكاتب: الشريف محمد الصمداني | 03/06/2007
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، و على آله الطيبين ، و أصحابه الغر الميامين . أما بعد :
فبين يديك مختصر في مسألة " الشرف من الأم " ، و هو مستل من كتابي "الجمع والضم لمسألة الشرف من الأم" .
واعلم رحمك الله أن هذه المسألة من ملح العلم و لطائفه ، صنَّفَ فيها العلماء و تبارى فيها الفضلاء ، كيف لا و شريف المسائل لشريف الناس ؟
ما لنا عليك في النَّدي اختيار كُلُّ ما يمنحُ الشريفُ شريفُ
وقد رجوت أن يكون أصل هذا البحث قائداً لتوضيح أصول مهمة في نسب آل البيت ، الذين نتعبد الله بحبهم و الدفاع عنهم ، وهو خرزة في عقد طويل يحتاج إلى جمع و تأصيل لحياطة نسب آل البيت من دعاوي المغيرين و انتحال المبطلين عبر شتى الوسائل و الشبهات .
و مما يظهر أهمية هذه المسألة عدة أمور ، منها :
1- أن تحرير القول فيها يساعد على تمييز و تصحيح أنساب آل البيت ، و هذا من مقاصد الشرع . إذ إن ذلك من جملة العمل بحديث :" الدين النصيحة " ، و فيه :" و لرسوله " . فمن جملة نصيحة المسلم لرسول الاسلام صلى الله عليه و على آله و سلم أن ينافح عن نسبه و عرضه كما ينافح عن دينه و قوله .
2- أن تحرير حكم المسألة يوضح علاقة المولودين من الأم الشريفة بأحكام آل البيت الفقهية ، و التي تعد من جملة الخصائص ، كتحريم الزكاة ، و استحقاق مصرف الخمس ، و غير ذلك .
3- أن فيها تسليطاً للضوء على جانب من جوانب مسألة " أولاد البنات هل هم من الذرية أم لا" ؟! و هي مما تعين على حسن تصور و فهم بعض مسائل الوقف و الوصايا و غيرها من أبواب الفقه .
فهذا المختصر – بإذن الله - مما يحتاجه : الفقيه ، و طالب العلم ، و المؤرخ ، و الناسب ، و غيرهم .
و قد عرضته و اختصرته لك ، أيها الفاضل ، في ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : صورة المسألة و زمن ابتداء القول فيها .
المبحث الثاني : الرسائل المصنفة فيها و جوانب تأريخية مهمة فيها .
المبحث الثالث : حكم الشرع فيها .
هذا ، و أسأل الله العلي العظيم أن ينفع به من شاء من العباد ، و أن يكتب لنا به ذخراً يوم التناد ، يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، و الله أعلم و أحكم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
المبحث الأول : صورة المسألة وتارٍيخ ابتداء القول بها .
صورة " مسألة الشرف من الأم " هي :" من كانت أمه شريفة من ذرية فاطمة رضي الله عنها ، وأبوه ليس كذلك ، فهل يكون الابن شريفاً من آل البيت ، بمعنى أن الشرف يسري إليه نسباً بسبب اتصاله برحم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقال فيه : " الشريف الحسني أو الحسيني " ، أم لا؟! " .
وربما صيغت صورتها بمعنى :" صدق النسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ". فيقال : هل يصدق القول فيمن كانت أمه شريفة فاطمية أنه " محمدي " ، كما يصدق ذلك فيمن أبوه شريف أم لا ؟!
ولتحسن صورة المسألة أكثر ، و تقاس على غيرها : " ينبغي ان تؤخذ المسألة بمعنى أعم من هذا ، فيقال : هل يصدق على رجل من بني هاشم أمه زهرية أنه زهري أم لا ؟ "[2] .
ومأخذ هذه المسألة أن ولد البنات : هل يصدق عليهم أنهم ولد لجدهم للأم أم لا ؟! و لذلك كانت هذه المسألة شديدة الشبه بمسألة " كتاب الحبس " من " المدونة" ، و هي : " إن قال : حبست على ولدي . هل يدخل في ذلك ولد البنات أم لا ؟ و لا خلاف أنه يدخل في ذلك ولد البنين . فالذي ذهب إليه مالك و جميع اصحابه المتقدمين أنهم لا يدخلون ، و ذهب جماعة من أهل العلم أنهم يدخلون … " [3].
وقد صار من الشائع استخدام لفظ " المُسيَّدين " على الذين يزعمون أنهم أشراف من أمهاتهم ، ويعتقدون ذلك[4] .
ومن نماذج الأسئلة التي كانت تعرض للمفتين فيها ما يلي :
1. " … رجلٌ أثبت أن أمه التي ولدته شريفة النسب ، فهل يثبت لهذا الرجل شرف النسب من جهة الأم و يحترم بحرمة " الشرفاء " ، و يندرج في سلكهم أو لا ؟ و لإن ثبت له ذلك فهل يثبت لذريته كما ثبت له ؟! "[5].
2. و سئل الفقيه أبومحمد سيدي عبدالله بن السيد أبي عبدالله الشريف عن جوابه في إثبات الشرف من جهة الأم هل يثبت لنفسه خاصة ؟ أم له و لذريته؟" [6].
3. و قال القاضي أبو إسحاق بن عبد الرفيع ، و هو أحد المفتين في المسألة: " … سألني سائل عن مسألة كتب بها إلي ، و هي : أن رجلاً قال : إن أم أبيه شريفة ، و هو مع ذلك ينسب إلى الشرف ؟! فأجبته عن ذلك … " [7].
هذه المسألة بتلك الصورة و ما يتفرع منها ، حصل فيها خلاف عند المفتين و الفقهاء ، حتى صنف فيها من الكتب والرسائل الشيء الكثير ، وقد تعرض لها الشراح والناقلون لفضائل آل البيت عند إلمامهم بمباحث الشرف ومسائله في كتبهم.
وقت ظهور المسألة و ابتداء القول فيها :
كان من عادة العرب تسمية من كانت أمه أشرف من أبيه بـ:" المُذرَّع " ، ومنه قول الفرزدق[8] :
إذا باهلي تحته حنظلية له ولدٌ منها فذاك المذرَّعُ
و قد تنوسي ذلك فيما تنوسي من خطاب العرب و بيانها ، و خلف من بعدهم خلف :" يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا " ، فجدَّ في سنة 726هـ بأرض المغرب العربي القول بهذه المسألة ، و كان قصب السبق فيها لفقهاء المالكية ، فأفتوا فيها سنة 726هـ [9] . و في كتاب الحبس من " مختصر ابن عرفة " قوله :" شاع في أول هذا القرن[10] على ما بلغني الخلاف فيمن أمه شريفة ، و أبوه ليس كذلك ، هل هو شريف أم لا ؟ " [11].
وقد ذهب آقا بزرك الطهراني الرافضي في" طبقات أعلام الشيعة " إلى أن إطلاق لقب " الشريف " على من كانت أمه شريفة لم يظهر إلا في القرن التاسع ! و بما أسلفناه تعلم أن قوله ليس بصحيح [12].
المبحث الثاني : الرسائل المصنفة في المسألة و شواهد تأريخية على أهميتها :
قال ابن عابدين رحمه الله تعالى :" قد كثر الكلام بين العلماء الأعلام في حكم الشرف من الأمهات في جميع الحالات ، و ألفوا في ذلك رسائل ، و أكثروا فيها المسائل … ، "[13] .
وكانت هذه الرسائل محل تطلاب من الأفاضل و النبلاء في بلاد الشام ، و من ذلك ما ورد في رسالة لجمال الدين القاسمي رحمه الله موجهة لمحمود شكري الآلوسي، يقول فيها: " .. ، و أما الآن ، فإني أهتم بجمع كتاب في إثبات الشرف من الأمهات[14] ، لأني ظفرتُ بفتاوى للمالكية ، و رسالة لابن سودة من أعلام فاس ، و من الأسف أني لم أظفر بمن تكلم على هذه المسألة بإسهاب من الحنفية و الشافعية، مع أنها شهيرة الذكر ، و يشير كثير من العلماء إلى قصص مع الخلفاء في هذا الباب إلا أن المواد مفقودة .
و قد مكثت من أيام مع صديقنا مفتي الحنفية بدمشق قريباً من ساعتين أراجع معه مطولات كتب مذهبه ، فلم نعثر على من بسط ذلك ، و لا من أسهب ، ثم رأيت من عزا الفتوى بها للشرنبلالي ، فبقيت انتظر مراجعة رسائله ، و هي موجودة عند المفتي[15] .
و أظن شرفاء الإمامية يعنون بهذا البحث[16] ، فقد قرأت في بعلبك بعد العيد عند السيد جواد عالم الإمامية ثمَّة في " شرح اللمعة الدمشقية " قول المرتضى في اعتماده ذلك ، و لعلَّ له تأليفاً فيه[17] .
وبالجملة ، فعسى مولاي أن يتحفني بما يقف عليه ، و يأمر أحد تلامذته بكتابة ما يمكن نقله ، فإني في تشوف ليتمم الرسالة حيث موادها كملت ، و لم يبق إلا تبييضها ، و يكون ذلك من عظيم أياديه عندنا ، و الله يحفظه و يبقيه لنا سنداً و ذخراً ، … " . أهـ. كلامه رحمه الله تعالى [18] .
و من هذه الرسائل و الفتاوى :
1. " جزء في إثبات الشرف من قبل الأم " ، ألفه محمد بن أحمد بن محمد ابن مرزوق ، أبو عبدالله العجيسي التلمساني المالكي الشهير بحفيد ابن مرزوق، و قد يختصر بـ:" ابن مرزوق " [19].
2. " إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم " ، ألفه أحد المالكية ، وهو محمد بن عبدالرحمن أبو عبدالله بن أبي زيد المراكشي القسنطيني المغربي المالكي الضرير ولد سنة 739هـ [20]. قال السخاوي رحمه الله تعالى :" و رأيت له عند البدر ابن عبدالوارث المالكي مصنفاً ابتدأه في ذي القعدة سنة إحدى و ثمانمائة ، سماه :" إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم " [21] .
3. "النقول المنيفة في حكم شرف ولد الشريفة " ، لابن بيري ، مفتي مكة ، مـات سنة 1099 هـ [22] .
4. " الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم " ، ألفه العلامة خير الدين أحمد بن محمد الرملي الفاروقي الحنفي ، صاحب " نزهة النواظر على الأشباه و النظائر " لابن نجيم ، و" الفتاوى الخيرية " ، و غيرها من الحواشي و الرسائل [23]. قال ابن عابدين في تلخيص ما جاء فيها[24] :" … ، و رسالته من أشرفها و أسماها ، و قد سماها " الفوز و الغنم في الشرف من الأم " ، و جزم بعدم حصوله على احكام القرشيين لتصريح الفقهاء بأن الولد يتبع أباه بيقين ، مستدلين بقوله تعالى :" و على المولود له رزقهن " ، فالزوجة تلد الولد للزوج ، و لا ينسب إليها ، و إنما ينسب إليه ، و مؤنته عليه ، و حكمة النسبة أن تخلق العظم و العصب و العروق من مائه و الحسن و الجمال و السمن و الهزال مما يزول و لا يبقى كالأصول من مائها ، .. " .
5. " تحفة الوارد في اختصاص الشرف من قبل الوالد " لقاضي قسنطينة أبوالعباس أحمد بن حنين القسطيني الشهير بـ:" ابن قنفذ " ، و " ابن الخطيب "، مولده في حوالي سنة 740هـ ، ومات سنة 810 هـ [25].
6. وللشيخ العلامة ابن سودة :" رفع اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قبل الأمهات " ، طبع سنة 1321 في مصر ، يقع في 114 صفحة [26].
7. وللشيخ عمر آغا الحنفي (مات 1077هـ ) رسالة بعنوان :" الإتحاف في نسبة آل الأشراف "، مخطوطة في (20ورقة ) [27].
8. و للشيخ يوسف أفندي الحنفي : رسالة في أن الولد يتبع الأب في النسب . تقع في صفحتين .
9. تقييدات على مسألة الشرف من قبل الأم [28]. لمجهول .
10. وللشيخ إسماعيل أفندي الشهيربالتآئب:رسالة في دعوى الشرف من جهة الأم .
11. شرف الأسباط ، للقاسمي .
جوانب تأريخية مهمة حول المسألة :
بلغ من تأثير هذه المسألة أن يصل الأمر ببعضهم إلى أن يترك نسبته الثابتة بأصرح نسب ، ليتعلق بالشرف من جهة النساء ، فإذا انتسب قال :" الشريف الحسني " ، أو :" الشريف الحسيني " ، ويترك :" الأنصاري " أو:" القرشي " ، بل قد وجد في ترجمة بعضهم أنه : ترك نسبه :" الجعفري الطالبي " الثابت وتعلق بـ :" الحسيني " بسبب تخلل النساء من ذلك البيت الشريف في عموده .
قال ابن حميد الحنبلي في " السحب الوابلة " عند ذكره لترجمة محمد بن عبدالقادر الجعفري المقدسي النابلسي ( 791هـ - 886هـ) ، وقد التقى ببعض ذرية المترجم في القرن الثالث عشر ، فقال : " … أقول : بقية هذا البيت إلى الآن في مدينة نابلس ، ويعرفون بـ" دار هاشم " نسبة لجدهم هاشم الآتي ، وهم من أهل الثروة والجاه ، وينتسبون سادة ، ونقابة الأشراف في بيتهم لاتخرج عنهم . ولما اجتمعت ببعضهم بينت لهم نسبهم من " الدرر " و " الضوء " وغيرهما : أنهم جعافرة لا علويون ، والآن صارت السيادة لاتطلق إلا على العلويين ، فأقروا بذلك ، وقالوا : هذا الواقع ؛ ولكن لنا نسب متصل بالسيادة من جهة الأمهات ، والشرف يثبت بذلك عند بعض الأئمة . فقلت : هذا قول ضعيف ، وما كان ينبغي لكم أن تهجروا هذا النسب الطاهر الجعفري المتحقق بالاجماع ، وتتمسكوا بما فيه خلاف ، والحال أن نسبكم فائق في الشرف ؛ فسكتوا ، وكلهم حنابلة … " أهـ[29].
و ممن نسب للشرف من جهة أمه : أحمد بن أحمد الفاسي البريسي الشهير بـ:" ابن زروق "[30] المتوفى سنة 899هـ ، مع أنه قال عن نسب والدته كما في " الكناش ": " أنه لم يتحقق نسبها لموت والده " [31].
وفي ترجمة " اسماعيل بن عبدالكريم الجراعي النابلسي الحنبلي " يقال :" الحسيني"، لأن أمه شريفة من آل البيت النبوي [32]. وفي ترجمة محمد بن عمر العرضي الحلبي في " خلاصة الأثر " : قوله :" وكان له سيادة من جهة أمه " [33]. وفي ترجمة "القاضي عبدالوهاب بن عبدالرحمن الدمشقي الحنفي التاجي " في " خلاصة الأثر " [34] : ادعاءه للشرف بسبب أن أمه شريفة ، فوضع العلامة الخضراء على عمامته ، وتزيى بها ؛ فقال فيه أبو المعالي درويش محمد الطالوي :
طـافتْ يهوديةٌ بالبيتِ ، قلتُ لهـا حويتِ إسلاماً وكفراً نرى عجبا
فاستضحكتْ ثم قالتْ كالذبيحِ يُرى مُشَرَّفاً وهو من عِجْلٍ إذا انتسبا .[35]
وفي " تاريخ الجبرتي " : " ومات الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علماً وعملاً … محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي ، وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه ، وهي السيدة " ترك" ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبدالكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج ، وينتهي نسبه إلى الحسين رضي الله عنه…"[36].
وفيه أيضاً : " ومات الشيخ العلامة والنحرير الفهامة السيد أحمد بن محمد بن اسماعيل من ذرية السيد محمد الدوقاطي الطهطاوي الحنفي ، والده روميٌ حضر إلى أرض مصر متقلداً القضاء بطهطا بلدة بالقرب من أسيوط بالصعيد الأدنى ، فتزوج بامرأة شريفة ، فولد له منها المترجم ، وأخوه السيد إسماعيل … " [37] .
وإذا استنكر بعض الناس النسب الشريف المدعى من بعض الناس الذين لايعرف فيهم شرف النسب ، قام ذلك المدعي وحلف بالأيمان المغلظة أن نسبته للشرف صحيحة ما تخللتها نساء [38] . قال الكتاني عند ذكره لمحدث الشام أحمد بن عبيد العطار الدمشقي الشافعي ، : " قال عنه الحافظ ابن عبدالسلام الناصري :" وسألته أترفع نسبك لصحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا قد توهمتُ فيه الشرفَ المصطفوي ؟! فقال العطار رحمه الله تعالى :" لا يرفعُ نسبَه إلاّ مَنْ تقدم في آبائه علم ، وأنا لم يتقدم في آبائي علم " . فازددتُ بكلامه هذا محبة لما لاح عليه من الصدق ، ومراقبة الله " انتهى . ثمّ قال الكتاني رحمه الله :" وانظره ، مع ما نقله الشيخ محي الدين العطار في ثبت والده نقلاً عن عمه الشيخ حامد العطار أنه جلس على ركبته ، وحلف بالله العظيم أنّ نسبتنا الى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الذكور صحيحة ، ما تخللتها نساء ، وقال : حلفت كما حلف والدي ! " .انتهى. يعني بوالده المترجم " انتهى[39] .
و إذا خفي وجه عمود المرء المنتسب للشرف ، فإن من ضمن إجابات المترجمين له الإحالة على هذه المسألة ، و إن كان هذا ليس مطرداً . و لهذا لما أثير الكلام حول عمود نسب العلامة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى كان من ضمن إجابات الشيخ محمد بهجة البيطار أن قال :" والدة رشيد رضا شريفة من أهل " القلمون "[40] ، بالإضافة إلى أن الشرف من جهة الأم كالشرف من جهة الأب سواءٌ ، و الأسباط في شرف النسب كالأحفاد " [41].
وتطالعنا سجلات " محاكم دمشق " بأسماء أسر في القرون المتأخرة اكتسبت الشرف و انتسبت إليه بسبب مسألة " الشرف من الأم " [42].
ومن نفوذ المسألة و صيالها على قاعدة النسب أن كثيراً ممن يثبت النسب من جهتها ، يدبج ذلك على مشجرات الأنساب و أعمدة الناس ، و يظل هذا لذريته من بعده ، تستند عليه ، و تركن إليه . قال عبدالغني النابلسي - لما اجتاز ببيروت ، و لقي نقيبها - في رحلته للحج المسماة بـ" الحقيقة و المجاز في الرحلة إلى بلاد الشام و مصر و الحجاز " ما نصه :" و أطلعنا أيضاً على نسبه الكريم ، نسب الشرف له عن آبائه و أجداده ، و ذلك من جهة الأم ، فرأيناه نسباً عجيباً ، عليه خطوط العلماء و الصالحين و الأشراف المعتبرين ، و رأينا عليه بخط المرحوم الوالد الشيخ إسماعيل النابلسي المتقدم ذكر ترجمته ، و ذلك ما نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه اجمعين . ذكر النسفي في المدارك تفسير القران العزيز في سورة الأنعام عند قوله تعالى :" و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس كل من الصالحين " ، و ذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم أيضاً ، لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام ، و هو لا يتصل به إلا بالأم . و بذا أجيب الحجاج حين أنكر أن تكون بنو فاطمة رضي الله عنها أولاد النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى . و في البيضاوي ، و مثله في تفسير المرحوم أبي السعود المفتي : " و هو ابن مريم ، و في ذكره دليل على أن الذرية تتناول أولاد البنت " ، و أجاب المرحوم شيخ الاسلام أبو السعود حين سئل عن ثبوت النسب من جهة الأم بأنه صحيح أم لا ؟ بقوله : نعم ، ثبوت النسب من جهة الأم صحيح ، معتد به ، واجب ثبوته شرعاً و عرفاً ، فإن ثبت شرف امرأة ، كان أولادها لبطنها ذكوراً و إناثاً شرفاء ، مع قطع النظر عن آباءهم ، حتى و لو كانوا أرقاء ، لا يضرهم ذلك ، و لا يمنعهم من ثبوت سيادتهم من جهتها ، و يميزون على غيرهم ممن لا شرف له بوضع العلامة ، خوفاً من انتقاصهم و عدم احترامهم بين العامة ، فمن كانت أمه شريفة ، يثبت الشرف له و لأولاده ، و نسله و عقبه ، و انتظم في سلك الأشراف ، و الأدلة في ذلك كثيرة ، يضيق عنها المقام ، و تنبغي الإشارة إلى بعضها ، و هو أن جميع الأشراف الموجودين الآن في مشارق الأرض و مغاربها إنما يثبت لهم الشرف من فاطمة الزهراء رضي الله عنها أم السيدين الجليلين الحسن و الحسين ابني الإمام علي رضي الله عنهم ، و إلا لكان أولاده من غيرها كمحمد ابن الحنفية شرفاء ، و ليس كذلك ، حتى أن بعض علمائنا جعل ذلك قياساً منطقياً مركباً من صغرى و كبرى من عشرة أوجه ، فأما كبراه ، فلم تحتج إلى بيان ، و تحرير كون مقدمتي القياس يقينية : أن الولد بضعة من أمه ، يثبت له ما يثبت لها ، و كذا حكمنا بشرف الحسنين رضي الله عنهما ، و قد أفردت المسألة بالتأليف ، و حظيت بالتصنيف . و في هذا القدر كفاية ، و الله تعالى ولي الهداية . انتهى . فكتبنا نحن أيضاً على ذلك، بعد الطلب هذه الأبيات : … " . أهـ [43].
ومن أسباب الحرص على الانتساب للشرف من قبل الأم في القرون الماضية: الحرص على تخفيف المغارم السلطانية و الديون الخراجية التي تضرب على القرى وأهلها ، فإن من انتسب للشرف يعفى من هذه الكلف في عهد الدولة العثمانية. و لهذا قال العلامة الشيخ خير الدين أحمد بن محمد الرملي الحنفي - من أهل الرملة بفلسطين الأسيرة - :" و قد كثر في زماننا ، و فحش في كل البلاد ، و لُزِمَ اختلاط الأطراف بالأشراف ،حتى رأينا في بلدتنا كثير ، فمن يضع العلامة بسبب تزوج أبيه قرشية لكثرة ماله أو جاهه عند الحكام ، فلا يفرق بينه و بين من كان متأصلاً عريقاً في النسب ، فترفع عنه بسبب ذلك التكاليف العرفية و الغرامات السلطانية ، و تطرح على غيره زيادة على ما عليه ، لئلا تنقص عما هو المطلوب ، فاشتدَّ اجتهاد الناس في تحصيل ذلك ، بصرف الأموال فيه ، و الاجتهاد في تحصيله من كل أحد ، لما ينتج من المعافات و الراحات ، و طرح غراماته على أهل بلده و جيرانه و مساويه من إخوانه ، فغرم ضعف الغارمين ، و سلامته من كان في جملة المكلفين ، و وقع الضرر والضرار ، و تأذى بذلك الأخ المسلم ، و الغريب ، و الجار . فلولي الأمر أيده الله تعالى النظر في ذلك " [44].
تصنيف الرافضة في المسألة :
لما رأى الرافضة الحال كذلك عند الجهال ، صنفت آياتهم الشيطانية رسائل في هذه المسألة ، فادعى خلق كثير منهم للنسب الشريف عبر هذه المسألة، كما كان حالهم في غيرها من المسائل .
فمن رسائلهم في المسألة – و هي متأخرة التصنيف عن أهل السنة - :
.
الكاتب: الشريف محمد الصمداني | 03/06/2007
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، و على آله الطيبين ، و أصحابه الغر الميامين . أما بعد :
فبين يديك مختصر في مسألة " الشرف من الأم " ، و هو مستل من كتابي "الجمع والضم لمسألة الشرف من الأم" .
واعلم رحمك الله أن هذه المسألة من ملح العلم و لطائفه ، صنَّفَ فيها العلماء و تبارى فيها الفضلاء ، كيف لا و شريف المسائل لشريف الناس ؟
ما لنا عليك في النَّدي اختيار كُلُّ ما يمنحُ الشريفُ شريفُ
وقد رجوت أن يكون أصل هذا البحث قائداً لتوضيح أصول مهمة في نسب آل البيت ، الذين نتعبد الله بحبهم و الدفاع عنهم ، وهو خرزة في عقد طويل يحتاج إلى جمع و تأصيل لحياطة نسب آل البيت من دعاوي المغيرين و انتحال المبطلين عبر شتى الوسائل و الشبهات .
و مما يظهر أهمية هذه المسألة عدة أمور ، منها :
1- أن تحرير القول فيها يساعد على تمييز و تصحيح أنساب آل البيت ، و هذا من مقاصد الشرع . إذ إن ذلك من جملة العمل بحديث :" الدين النصيحة " ، و فيه :" و لرسوله " . فمن جملة نصيحة المسلم لرسول الاسلام صلى الله عليه و على آله و سلم أن ينافح عن نسبه و عرضه كما ينافح عن دينه و قوله .
2- أن تحرير حكم المسألة يوضح علاقة المولودين من الأم الشريفة بأحكام آل البيت الفقهية ، و التي تعد من جملة الخصائص ، كتحريم الزكاة ، و استحقاق مصرف الخمس ، و غير ذلك .
3- أن فيها تسليطاً للضوء على جانب من جوانب مسألة " أولاد البنات هل هم من الذرية أم لا" ؟! و هي مما تعين على حسن تصور و فهم بعض مسائل الوقف و الوصايا و غيرها من أبواب الفقه .
فهذا المختصر – بإذن الله - مما يحتاجه : الفقيه ، و طالب العلم ، و المؤرخ ، و الناسب ، و غيرهم .
و قد عرضته و اختصرته لك ، أيها الفاضل ، في ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : صورة المسألة و زمن ابتداء القول فيها .
المبحث الثاني : الرسائل المصنفة فيها و جوانب تأريخية مهمة فيها .
المبحث الثالث : حكم الشرع فيها .
هذا ، و أسأل الله العلي العظيم أن ينفع به من شاء من العباد ، و أن يكتب لنا به ذخراً يوم التناد ، يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، و الله أعلم و أحكم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
المبحث الأول : صورة المسألة وتارٍيخ ابتداء القول بها .
صورة " مسألة الشرف من الأم " هي :" من كانت أمه شريفة من ذرية فاطمة رضي الله عنها ، وأبوه ليس كذلك ، فهل يكون الابن شريفاً من آل البيت ، بمعنى أن الشرف يسري إليه نسباً بسبب اتصاله برحم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقال فيه : " الشريف الحسني أو الحسيني " ، أم لا؟! " .
وربما صيغت صورتها بمعنى :" صدق النسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ". فيقال : هل يصدق القول فيمن كانت أمه شريفة فاطمية أنه " محمدي " ، كما يصدق ذلك فيمن أبوه شريف أم لا ؟!
ولتحسن صورة المسألة أكثر ، و تقاس على غيرها : " ينبغي ان تؤخذ المسألة بمعنى أعم من هذا ، فيقال : هل يصدق على رجل من بني هاشم أمه زهرية أنه زهري أم لا ؟ "[2] .
ومأخذ هذه المسألة أن ولد البنات : هل يصدق عليهم أنهم ولد لجدهم للأم أم لا ؟! و لذلك كانت هذه المسألة شديدة الشبه بمسألة " كتاب الحبس " من " المدونة" ، و هي : " إن قال : حبست على ولدي . هل يدخل في ذلك ولد البنات أم لا ؟ و لا خلاف أنه يدخل في ذلك ولد البنين . فالذي ذهب إليه مالك و جميع اصحابه المتقدمين أنهم لا يدخلون ، و ذهب جماعة من أهل العلم أنهم يدخلون … " [3].
وقد صار من الشائع استخدام لفظ " المُسيَّدين " على الذين يزعمون أنهم أشراف من أمهاتهم ، ويعتقدون ذلك[4] .
ومن نماذج الأسئلة التي كانت تعرض للمفتين فيها ما يلي :
1. " … رجلٌ أثبت أن أمه التي ولدته شريفة النسب ، فهل يثبت لهذا الرجل شرف النسب من جهة الأم و يحترم بحرمة " الشرفاء " ، و يندرج في سلكهم أو لا ؟ و لإن ثبت له ذلك فهل يثبت لذريته كما ثبت له ؟! "[5].
2. و سئل الفقيه أبومحمد سيدي عبدالله بن السيد أبي عبدالله الشريف عن جوابه في إثبات الشرف من جهة الأم هل يثبت لنفسه خاصة ؟ أم له و لذريته؟" [6].
3. و قال القاضي أبو إسحاق بن عبد الرفيع ، و هو أحد المفتين في المسألة: " … سألني سائل عن مسألة كتب بها إلي ، و هي : أن رجلاً قال : إن أم أبيه شريفة ، و هو مع ذلك ينسب إلى الشرف ؟! فأجبته عن ذلك … " [7].
هذه المسألة بتلك الصورة و ما يتفرع منها ، حصل فيها خلاف عند المفتين و الفقهاء ، حتى صنف فيها من الكتب والرسائل الشيء الكثير ، وقد تعرض لها الشراح والناقلون لفضائل آل البيت عند إلمامهم بمباحث الشرف ومسائله في كتبهم.
وقت ظهور المسألة و ابتداء القول فيها :
كان من عادة العرب تسمية من كانت أمه أشرف من أبيه بـ:" المُذرَّع " ، ومنه قول الفرزدق[8] :
إذا باهلي تحته حنظلية له ولدٌ منها فذاك المذرَّعُ
و قد تنوسي ذلك فيما تنوسي من خطاب العرب و بيانها ، و خلف من بعدهم خلف :" يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا " ، فجدَّ في سنة 726هـ بأرض المغرب العربي القول بهذه المسألة ، و كان قصب السبق فيها لفقهاء المالكية ، فأفتوا فيها سنة 726هـ [9] . و في كتاب الحبس من " مختصر ابن عرفة " قوله :" شاع في أول هذا القرن[10] على ما بلغني الخلاف فيمن أمه شريفة ، و أبوه ليس كذلك ، هل هو شريف أم لا ؟ " [11].
وقد ذهب آقا بزرك الطهراني الرافضي في" طبقات أعلام الشيعة " إلى أن إطلاق لقب " الشريف " على من كانت أمه شريفة لم يظهر إلا في القرن التاسع ! و بما أسلفناه تعلم أن قوله ليس بصحيح [12].
المبحث الثاني : الرسائل المصنفة في المسألة و شواهد تأريخية على أهميتها :
قال ابن عابدين رحمه الله تعالى :" قد كثر الكلام بين العلماء الأعلام في حكم الشرف من الأمهات في جميع الحالات ، و ألفوا في ذلك رسائل ، و أكثروا فيها المسائل … ، "[13] .
وكانت هذه الرسائل محل تطلاب من الأفاضل و النبلاء في بلاد الشام ، و من ذلك ما ورد في رسالة لجمال الدين القاسمي رحمه الله موجهة لمحمود شكري الآلوسي، يقول فيها: " .. ، و أما الآن ، فإني أهتم بجمع كتاب في إثبات الشرف من الأمهات[14] ، لأني ظفرتُ بفتاوى للمالكية ، و رسالة لابن سودة من أعلام فاس ، و من الأسف أني لم أظفر بمن تكلم على هذه المسألة بإسهاب من الحنفية و الشافعية، مع أنها شهيرة الذكر ، و يشير كثير من العلماء إلى قصص مع الخلفاء في هذا الباب إلا أن المواد مفقودة .
و قد مكثت من أيام مع صديقنا مفتي الحنفية بدمشق قريباً من ساعتين أراجع معه مطولات كتب مذهبه ، فلم نعثر على من بسط ذلك ، و لا من أسهب ، ثم رأيت من عزا الفتوى بها للشرنبلالي ، فبقيت انتظر مراجعة رسائله ، و هي موجودة عند المفتي[15] .
و أظن شرفاء الإمامية يعنون بهذا البحث[16] ، فقد قرأت في بعلبك بعد العيد عند السيد جواد عالم الإمامية ثمَّة في " شرح اللمعة الدمشقية " قول المرتضى في اعتماده ذلك ، و لعلَّ له تأليفاً فيه[17] .
وبالجملة ، فعسى مولاي أن يتحفني بما يقف عليه ، و يأمر أحد تلامذته بكتابة ما يمكن نقله ، فإني في تشوف ليتمم الرسالة حيث موادها كملت ، و لم يبق إلا تبييضها ، و يكون ذلك من عظيم أياديه عندنا ، و الله يحفظه و يبقيه لنا سنداً و ذخراً ، … " . أهـ. كلامه رحمه الله تعالى [18] .
و من هذه الرسائل و الفتاوى :
1. " جزء في إثبات الشرف من قبل الأم " ، ألفه محمد بن أحمد بن محمد ابن مرزوق ، أبو عبدالله العجيسي التلمساني المالكي الشهير بحفيد ابن مرزوق، و قد يختصر بـ:" ابن مرزوق " [19].
2. " إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم " ، ألفه أحد المالكية ، وهو محمد بن عبدالرحمن أبو عبدالله بن أبي زيد المراكشي القسنطيني المغربي المالكي الضرير ولد سنة 739هـ [20]. قال السخاوي رحمه الله تعالى :" و رأيت له عند البدر ابن عبدالوارث المالكي مصنفاً ابتدأه في ذي القعدة سنة إحدى و ثمانمائة ، سماه :" إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم " [21] .
3. "النقول المنيفة في حكم شرف ولد الشريفة " ، لابن بيري ، مفتي مكة ، مـات سنة 1099 هـ [22] .
4. " الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم " ، ألفه العلامة خير الدين أحمد بن محمد الرملي الفاروقي الحنفي ، صاحب " نزهة النواظر على الأشباه و النظائر " لابن نجيم ، و" الفتاوى الخيرية " ، و غيرها من الحواشي و الرسائل [23]. قال ابن عابدين في تلخيص ما جاء فيها[24] :" … ، و رسالته من أشرفها و أسماها ، و قد سماها " الفوز و الغنم في الشرف من الأم " ، و جزم بعدم حصوله على احكام القرشيين لتصريح الفقهاء بأن الولد يتبع أباه بيقين ، مستدلين بقوله تعالى :" و على المولود له رزقهن " ، فالزوجة تلد الولد للزوج ، و لا ينسب إليها ، و إنما ينسب إليه ، و مؤنته عليه ، و حكمة النسبة أن تخلق العظم و العصب و العروق من مائه و الحسن و الجمال و السمن و الهزال مما يزول و لا يبقى كالأصول من مائها ، .. " .
5. " تحفة الوارد في اختصاص الشرف من قبل الوالد " لقاضي قسنطينة أبوالعباس أحمد بن حنين القسطيني الشهير بـ:" ابن قنفذ " ، و " ابن الخطيب "، مولده في حوالي سنة 740هـ ، ومات سنة 810 هـ [25].
6. وللشيخ العلامة ابن سودة :" رفع اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قبل الأمهات " ، طبع سنة 1321 في مصر ، يقع في 114 صفحة [26].
7. وللشيخ عمر آغا الحنفي (مات 1077هـ ) رسالة بعنوان :" الإتحاف في نسبة آل الأشراف "، مخطوطة في (20ورقة ) [27].
8. و للشيخ يوسف أفندي الحنفي : رسالة في أن الولد يتبع الأب في النسب . تقع في صفحتين .
9. تقييدات على مسألة الشرف من قبل الأم [28]. لمجهول .
10. وللشيخ إسماعيل أفندي الشهيربالتآئب:رسالة في دعوى الشرف من جهة الأم .
11. شرف الأسباط ، للقاسمي .
جوانب تأريخية مهمة حول المسألة :
بلغ من تأثير هذه المسألة أن يصل الأمر ببعضهم إلى أن يترك نسبته الثابتة بأصرح نسب ، ليتعلق بالشرف من جهة النساء ، فإذا انتسب قال :" الشريف الحسني " ، أو :" الشريف الحسيني " ، ويترك :" الأنصاري " أو:" القرشي " ، بل قد وجد في ترجمة بعضهم أنه : ترك نسبه :" الجعفري الطالبي " الثابت وتعلق بـ :" الحسيني " بسبب تخلل النساء من ذلك البيت الشريف في عموده .
قال ابن حميد الحنبلي في " السحب الوابلة " عند ذكره لترجمة محمد بن عبدالقادر الجعفري المقدسي النابلسي ( 791هـ - 886هـ) ، وقد التقى ببعض ذرية المترجم في القرن الثالث عشر ، فقال : " … أقول : بقية هذا البيت إلى الآن في مدينة نابلس ، ويعرفون بـ" دار هاشم " نسبة لجدهم هاشم الآتي ، وهم من أهل الثروة والجاه ، وينتسبون سادة ، ونقابة الأشراف في بيتهم لاتخرج عنهم . ولما اجتمعت ببعضهم بينت لهم نسبهم من " الدرر " و " الضوء " وغيرهما : أنهم جعافرة لا علويون ، والآن صارت السيادة لاتطلق إلا على العلويين ، فأقروا بذلك ، وقالوا : هذا الواقع ؛ ولكن لنا نسب متصل بالسيادة من جهة الأمهات ، والشرف يثبت بذلك عند بعض الأئمة . فقلت : هذا قول ضعيف ، وما كان ينبغي لكم أن تهجروا هذا النسب الطاهر الجعفري المتحقق بالاجماع ، وتتمسكوا بما فيه خلاف ، والحال أن نسبكم فائق في الشرف ؛ فسكتوا ، وكلهم حنابلة … " أهـ[29].
و ممن نسب للشرف من جهة أمه : أحمد بن أحمد الفاسي البريسي الشهير بـ:" ابن زروق "[30] المتوفى سنة 899هـ ، مع أنه قال عن نسب والدته كما في " الكناش ": " أنه لم يتحقق نسبها لموت والده " [31].
وفي ترجمة " اسماعيل بن عبدالكريم الجراعي النابلسي الحنبلي " يقال :" الحسيني"، لأن أمه شريفة من آل البيت النبوي [32]. وفي ترجمة محمد بن عمر العرضي الحلبي في " خلاصة الأثر " : قوله :" وكان له سيادة من جهة أمه " [33]. وفي ترجمة "القاضي عبدالوهاب بن عبدالرحمن الدمشقي الحنفي التاجي " في " خلاصة الأثر " [34] : ادعاءه للشرف بسبب أن أمه شريفة ، فوضع العلامة الخضراء على عمامته ، وتزيى بها ؛ فقال فيه أبو المعالي درويش محمد الطالوي :
طـافتْ يهوديةٌ بالبيتِ ، قلتُ لهـا حويتِ إسلاماً وكفراً نرى عجبا
فاستضحكتْ ثم قالتْ كالذبيحِ يُرى مُشَرَّفاً وهو من عِجْلٍ إذا انتسبا .[35]
وفي " تاريخ الجبرتي " : " ومات الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علماً وعملاً … محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي ، وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه ، وهي السيدة " ترك" ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبدالكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج ، وينتهي نسبه إلى الحسين رضي الله عنه…"[36].
وفيه أيضاً : " ومات الشيخ العلامة والنحرير الفهامة السيد أحمد بن محمد بن اسماعيل من ذرية السيد محمد الدوقاطي الطهطاوي الحنفي ، والده روميٌ حضر إلى أرض مصر متقلداً القضاء بطهطا بلدة بالقرب من أسيوط بالصعيد الأدنى ، فتزوج بامرأة شريفة ، فولد له منها المترجم ، وأخوه السيد إسماعيل … " [37] .
وإذا استنكر بعض الناس النسب الشريف المدعى من بعض الناس الذين لايعرف فيهم شرف النسب ، قام ذلك المدعي وحلف بالأيمان المغلظة أن نسبته للشرف صحيحة ما تخللتها نساء [38] . قال الكتاني عند ذكره لمحدث الشام أحمد بن عبيد العطار الدمشقي الشافعي ، : " قال عنه الحافظ ابن عبدالسلام الناصري :" وسألته أترفع نسبك لصحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا قد توهمتُ فيه الشرفَ المصطفوي ؟! فقال العطار رحمه الله تعالى :" لا يرفعُ نسبَه إلاّ مَنْ تقدم في آبائه علم ، وأنا لم يتقدم في آبائي علم " . فازددتُ بكلامه هذا محبة لما لاح عليه من الصدق ، ومراقبة الله " انتهى . ثمّ قال الكتاني رحمه الله :" وانظره ، مع ما نقله الشيخ محي الدين العطار في ثبت والده نقلاً عن عمه الشيخ حامد العطار أنه جلس على ركبته ، وحلف بالله العظيم أنّ نسبتنا الى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الذكور صحيحة ، ما تخللتها نساء ، وقال : حلفت كما حلف والدي ! " .انتهى. يعني بوالده المترجم " انتهى[39] .
و إذا خفي وجه عمود المرء المنتسب للشرف ، فإن من ضمن إجابات المترجمين له الإحالة على هذه المسألة ، و إن كان هذا ليس مطرداً . و لهذا لما أثير الكلام حول عمود نسب العلامة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى كان من ضمن إجابات الشيخ محمد بهجة البيطار أن قال :" والدة رشيد رضا شريفة من أهل " القلمون "[40] ، بالإضافة إلى أن الشرف من جهة الأم كالشرف من جهة الأب سواءٌ ، و الأسباط في شرف النسب كالأحفاد " [41].
وتطالعنا سجلات " محاكم دمشق " بأسماء أسر في القرون المتأخرة اكتسبت الشرف و انتسبت إليه بسبب مسألة " الشرف من الأم " [42].
ومن نفوذ المسألة و صيالها على قاعدة النسب أن كثيراً ممن يثبت النسب من جهتها ، يدبج ذلك على مشجرات الأنساب و أعمدة الناس ، و يظل هذا لذريته من بعده ، تستند عليه ، و تركن إليه . قال عبدالغني النابلسي - لما اجتاز ببيروت ، و لقي نقيبها - في رحلته للحج المسماة بـ" الحقيقة و المجاز في الرحلة إلى بلاد الشام و مصر و الحجاز " ما نصه :" و أطلعنا أيضاً على نسبه الكريم ، نسب الشرف له عن آبائه و أجداده ، و ذلك من جهة الأم ، فرأيناه نسباً عجيباً ، عليه خطوط العلماء و الصالحين و الأشراف المعتبرين ، و رأينا عليه بخط المرحوم الوالد الشيخ إسماعيل النابلسي المتقدم ذكر ترجمته ، و ذلك ما نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه اجمعين . ذكر النسفي في المدارك تفسير القران العزيز في سورة الأنعام عند قوله تعالى :" و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس كل من الصالحين " ، و ذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم أيضاً ، لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام ، و هو لا يتصل به إلا بالأم . و بذا أجيب الحجاج حين أنكر أن تكون بنو فاطمة رضي الله عنها أولاد النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى . و في البيضاوي ، و مثله في تفسير المرحوم أبي السعود المفتي : " و هو ابن مريم ، و في ذكره دليل على أن الذرية تتناول أولاد البنت " ، و أجاب المرحوم شيخ الاسلام أبو السعود حين سئل عن ثبوت النسب من جهة الأم بأنه صحيح أم لا ؟ بقوله : نعم ، ثبوت النسب من جهة الأم صحيح ، معتد به ، واجب ثبوته شرعاً و عرفاً ، فإن ثبت شرف امرأة ، كان أولادها لبطنها ذكوراً و إناثاً شرفاء ، مع قطع النظر عن آباءهم ، حتى و لو كانوا أرقاء ، لا يضرهم ذلك ، و لا يمنعهم من ثبوت سيادتهم من جهتها ، و يميزون على غيرهم ممن لا شرف له بوضع العلامة ، خوفاً من انتقاصهم و عدم احترامهم بين العامة ، فمن كانت أمه شريفة ، يثبت الشرف له و لأولاده ، و نسله و عقبه ، و انتظم في سلك الأشراف ، و الأدلة في ذلك كثيرة ، يضيق عنها المقام ، و تنبغي الإشارة إلى بعضها ، و هو أن جميع الأشراف الموجودين الآن في مشارق الأرض و مغاربها إنما يثبت لهم الشرف من فاطمة الزهراء رضي الله عنها أم السيدين الجليلين الحسن و الحسين ابني الإمام علي رضي الله عنهم ، و إلا لكان أولاده من غيرها كمحمد ابن الحنفية شرفاء ، و ليس كذلك ، حتى أن بعض علمائنا جعل ذلك قياساً منطقياً مركباً من صغرى و كبرى من عشرة أوجه ، فأما كبراه ، فلم تحتج إلى بيان ، و تحرير كون مقدمتي القياس يقينية : أن الولد بضعة من أمه ، يثبت له ما يثبت لها ، و كذا حكمنا بشرف الحسنين رضي الله عنهما ، و قد أفردت المسألة بالتأليف ، و حظيت بالتصنيف . و في هذا القدر كفاية ، و الله تعالى ولي الهداية . انتهى . فكتبنا نحن أيضاً على ذلك، بعد الطلب هذه الأبيات : … " . أهـ [43].
ومن أسباب الحرص على الانتساب للشرف من قبل الأم في القرون الماضية: الحرص على تخفيف المغارم السلطانية و الديون الخراجية التي تضرب على القرى وأهلها ، فإن من انتسب للشرف يعفى من هذه الكلف في عهد الدولة العثمانية. و لهذا قال العلامة الشيخ خير الدين أحمد بن محمد الرملي الحنفي - من أهل الرملة بفلسطين الأسيرة - :" و قد كثر في زماننا ، و فحش في كل البلاد ، و لُزِمَ اختلاط الأطراف بالأشراف ،حتى رأينا في بلدتنا كثير ، فمن يضع العلامة بسبب تزوج أبيه قرشية لكثرة ماله أو جاهه عند الحكام ، فلا يفرق بينه و بين من كان متأصلاً عريقاً في النسب ، فترفع عنه بسبب ذلك التكاليف العرفية و الغرامات السلطانية ، و تطرح على غيره زيادة على ما عليه ، لئلا تنقص عما هو المطلوب ، فاشتدَّ اجتهاد الناس في تحصيل ذلك ، بصرف الأموال فيه ، و الاجتهاد في تحصيله من كل أحد ، لما ينتج من المعافات و الراحات ، و طرح غراماته على أهل بلده و جيرانه و مساويه من إخوانه ، فغرم ضعف الغارمين ، و سلامته من كان في جملة المكلفين ، و وقع الضرر والضرار ، و تأذى بذلك الأخ المسلم ، و الغريب ، و الجار . فلولي الأمر أيده الله تعالى النظر في ذلك " [44].
تصنيف الرافضة في المسألة :
لما رأى الرافضة الحال كذلك عند الجهال ، صنفت آياتهم الشيطانية رسائل في هذه المسألة ، فادعى خلق كثير منهم للنسب الشريف عبر هذه المسألة، كما كان حالهم في غيرها من المسائل .
فمن رسائلهم في المسألة – و هي متأخرة التصنيف عن أهل السنة - :
.