(إنى أحببت المصريين حبا جـمـا ، وأتمنى أن تكون مقبرتى فى مصر فلا أفارقهم حية ولا ميتة ) هاكذا قالت سيدة أهل الفتوة والتصرف الملقبة بكريمة الدارين .
والـــدهــا : سيدى حسن الأنور بن زيد الأبلج بن سيدنا الحسن بن الإمام على بن أبى طالب وكان يسمى شيخ الشيوخ وكان واليا على المدينة المنـورةمن قبل أبى جعفر المنصور ، وكان إماما عالما جليلا ومن كبار آل البيت ويعد من التابعين ...عاش حياتة حافلة بالخير وجليل الأعمال وكريم الخصال .
تـاريخ ميلادهـا : يوم الاربعاء الموافق الحادى عشر من شهر ربيع الأول سنة 145 هجرية بمكــة المكــرمة .
زوجـــهــا : إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن سيدنا الحسين بن الإمام على رضى الله تعالى عنهما .
إخواتهـــــا : أبو القاسم ، محمد ، على ، إبراهيم ، زيد ، عبيد الله ، يحى المتوج بالأنوار ، اسماعيل ، إسحاق ، أم كلثوم .
حياتـهــــا : اصطحبها والدها وقد بلغت الخامسة من عمرها إلى المدينة المنورة وأخذ يلقنها أمور دينها ودنياها فكانت تذهب إلى المسجد النبوى تسمع من شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه ، وأشهر من التحقت بمجالسهم ( الإمام مالك ) وقد قرأت كتابه ( الموطأ ) وناقشت كل القضايا وبدأ ت تزداد معرفة ، وكانت السيدة تفيسة رضى الله عنها تتمتع بحسن بارع وجمال رائع عـلاوة على إقبالـها على طلب العلـم وما امتازت به من حميد الأخلاق والشمائل لذلك فعندما بلغت كريمة الدارين سن الزواج تـها فت على خطبتها الكثير من شباب أشراف قريش وكان والدها يأبى إجابة طلبهم ويردهم ردا جميلا إلى أن أتاه إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق رضى الله تعالى عنه وكان دار الحس قبالة دار جعفر الصادق من هذا فخطبها من أبيها فلم يرد عليه جوابا ولقب إسحاق المؤتمن لشدة إهتمامه بالأمانات وشهد له الجمي بالدين والصلاح ..وذهب اسحاق المؤتمن إلى المسجد النبوى ودخل الحجرة النبوية الشريفة ووقف تجاه القبر فى خشوع وإجلال فقال ( يا رسول الله إنى خطبت نفيسة بنت الحسن من أبيها فلم يرد على جوابا وإنى لم أخطبها إلا لخيرها ودينها وعبادتها ثم انصرف وقد انشرح صدره واطمأنت نفسه ، وفى تلك الليلة رأى والدها الحسن جده المصطفى صلى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقوك له ( يا حسن زوج نفيسةمن إسحاق المؤتـمن ـ فقد زوجها والدها له بعد أن رأى رسول الله وتم العقد عليها فى يوم الجمعة الخامس من رجب سنة 161 هجرية وكان عمرها 15 سنة وثلاثة شهور تقريبا وبذلك يكون قد اجتمع نوران من بيت النبوة ( سيدا شباب أهل الجنة فجدها سيدنا الحسن رضى الله عنه وزوجها جده سيدنا الإمام الحسين رضى الله تعالى عنه .
خطط المقريزى يقول الـمقريزى فى خططه ( تزوجت السيدة نفيسة بإسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق وكان من أهل الصلاح والخير والفضل والدين ـ وروى عنه الحديث وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثنى الثقة الرضا إسحاق بن جعفر فى بيت كريم ومن أسرة طهرها الله سبحانه وتعالــى تطهيرا وأذهب عنها الرجس ) ، ولعل والدها تنبأ بـها بأن تكون لـها شأن عظيم بين الصالحين والصالحات فقد بدأت فى سن مبكر فى تـلاوة القرآن الكريم بـمفردها ثم عملت على حفظه فى خلال سنة وكانت تؤدى الصلوات الخمس مع والديها فى المسجد الحرام وهى فى سن السادسة
أ ولادهــا الـقـاسـم و أم كلثــوم ـ وحجت السيدة نفيسة مع زوجها ثلاثين مرة وكانت معظمها ماشية على قدميها اقتداء بجدها الإمام الحسن الذى قال (إنى لأستحى من ربى أن ألـقاه ولم أمش إلى بيته .
عـبـادتـها عاشت السيدة نفيسة زاهدة عابدة كانت تصوم النهار وتقوم الليل وكانت رغم ثرائها لا تأكل إلا أكلة واحدة كل ثلاثة ليال وكانت تتفانــى فى طاعة الله عز وجل . تقول لزينب بنت أخيها يحى المتوج ( خدمت مع عمتى نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت النهار فقالت لها أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسى وأمامى عقبات لا يقطعها إلا الفائزون ) وكانت رضى الله تعالى عنها تتحلى بالصبـر عنـدالشدائد والعطف على المساكين ونصرة الضعيف وعيادة المريض وكانت تؤمن بأن من عبد الله تعالى مخلصا كان الكون مسخرا له .
من أقولـهـا : ( ولا يـظلــم ربــك أحــد )
لا مناص من الشوك فى طريق السعادة فمن تخطاه وصل .
إن الصلاة صلة بين العبد وربه وهى المفتاح الذى تفتح به خزائن الروحانيات وركعتان توفرت فيهما هذه الصلة خير مـن ألـف مــن الركعات المجردة منـها – فإذا سجدت فـاذكر أنـك وضعت أكرم ما فى الانسان وهو رأسه فى الأرض طاعة لربه واعترافا بفضله وخوفا منه .
دخولـها مصر استقبل أهل مصر السيدة نفيسة فى 26 من شهر رمضان سنة 193 هجرية وذلك قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعى بخمس سنوات وكان ذلك فى ولايةالحسن بن التختاخ والى مصر من قبل هارون الرشيد وكان استقبالـها بالعريش استقبالا رائعا تلقوها الرجال والنساء مرحبين بها يهللون ويكبرون حتى وصلت مصر ونزلت عند كبير التجار ( جمال الدين عبد الله الجصاصى ) وكان من أهل الصلاح والبر والتقوى وأقامت عنده عدة شهور معززة مكرمة تتوافد عليها جموع الناس من جميع أنحاء الأقطار يلتمسون بركاتها ويرجون من دعائها وكان ممن يحضرون مجلس ( الإمام الشافعى الذى كان يكثر من زيارتـها والتبرك بـها وكان يصلى بـها التراويح فى شهر رمضان ويسألها الدعاء وحين مرض الإمام الشافعى أرسل إليها كعادته يلتمس الدعاء فقالت :متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم ولما سمع الإمام هذا عرف أنه لاحق بربه فأوصى أن تصلى عليه صلاة الجنازة – ويوم مرض بشر بن الحارث وكان دائم التردد عليها فعادته السيدة نفيسة وبينما هى فى زيارته دخل الإمام أحمد بن حنبــل يزوره أيضا فلما عرفها طلب من بشر بن الحارث أن يسألها الدعاء فقالت : اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيـران بك من النار فأجرهما يا أرحــم الراحـمين .0
كرامتهــا : رجتها سيدة تدعى أم هـانى أن تقيم بدارها وكانت امرأة ورعة تقية صالحة فقبلت السيدة نفيسة وانتقلت إليها وكان الزوار يزورنها ويتبركون بها وكان بجوار أم هانى رجل من اليهود يقال له ( أبو السرايا أيوب بن صابر ) وله ابنة قعيدة وفى يوم من الأيام توجهت بها أمها إلى السيدة نفيسة واستأذنتها فى بقائها فى حماها إلى أن تعود من حمامها فتركتها فى رد هة الدار ومضتإالى الحمام حتى إذا جاء وقت الصلاة – صلاة الظهر نـهضت السيدة نفيسة رضى الله عنها لوضوئها والبنت الصغيرة القعيدة ترقبها – وكان ماء الوضوء – يجرى فى مجرى بالردهة إلى بئر تحت
عتبة الدار – فألهم الله عز وجل البنت أن تزحف من مكان قعدتـها لتصل إلى ذلك المجرى زاحفة فأخذت فى تقليد السيدة نفيسة فيما تفعـل من غسيل وجهها ويدها ورجليها وما أن غسلت رجليها من فضل وضوء السسيدة نفيسة حتى قامت واقفة وزال عنها العجز – وعندما عاد أبوه وعرف بالمعجزة ذهبا إلى السيدة نفيسة يطلبان أن تشفع لهما بالتوبة فما أن انتهت من دعائها حتى نطق أبو السرايا الشهادتين وسرى الخبر تلك الجهة فأسلم أهلها وكانوا أكثر من سبعين بيتا من اليهود – ثم سر الخبر فى مصر فهرع إليها حشود من البشر يلتمسون عندها البركة وازدحمت بـها الدار ففكرت السيدة نفيسة فى مغادرة مصر حيث تعود إلى مدينة رسول الله صلى الله علية وسلم لتقضى بقية عمرها فى هدوء وعبادة ولما علم أهل مصر بذلك شق عليهم أن تفارقهم ، فالتمسوا منها العدول عن عزمها ورجوها البقاء بينهم ولكن أصرت على طلبها فلجأوا إلى والى مصر السرى بن الحكم بن يوسف فانتقل اليها يستعطـفها ويطلب منها البقاء فقالت : (إنى كنت قد عزمت المقام عندك ، غير أنى امرأة ضعيفة وقد تكاثر الناس حولى وأكثروا من زيارتى فشغلونى عن أورادى وجمع زادى لمعادى ، غير أن منزلى هذا يضيق لهذا الجمع الكثيف والعدد الكبير ولقد زاد حنينى إلى روضة جدى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال لها السرى ياابنة رسول الله إنى كفيل بإزالة ما تشكين منه وسأمهد لك السبيل وأهيئ لك ما فيه راحتك ورضاؤك ، أما ضيق المنزل فإن لى دارا واسعة بدرب السباع وإنى أشهد الله تعالى أنى وهبتها لك وأسألك أن تقبليهـا منى ولا تخجلينى بردها على فقالت بعد سكوت طويل : إنى قد قبلتها منك ، وقالت : يا سرى كيف أصنع بهذه الجموع الكثيرة والوفود الغفير فقال : تتفقين معهم على أن يكون للزوار فى كل جمعة يومان وباقى الأسبوع تتفرغين لعبادتك أى ( السبت والأربعاء للناس ) ، وظلت السيدة نفيسة بمصر حتى كان يوم لقائها بربها الذى كانت تنتظره بشوق ، ويـقول العلامة الأجهورى إن السيدة نفيسة رضى الله عنها حفرت قبرهـا الشريف بيدها ، أى أمرت ببنائه وقالت زينب بنت أخيها ( تألمت عمتى فى أول يوم من رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتابا وكان غائب بالمدينة تطلب إليه فيه المجئ إليها وموافاتها لإحساسها بدنوا أجلها ومازلت متوعكة إلى أن كان يوم الجمعة من شهر رمضان فزاد عليها الألم وهى صائمة فدخل عليها الأطباء فأشاروا عليها بالإفطار فقالت : واعجباه إن لى ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفانى وأنا صائمة أفأفطر اليوم ...؟، معاذ الله وتوفيت فى 15 رمضان سنة 208 هجرية ( 809 ميلادية ) وكان زوجها يريد أن ينقلها إلى البقيع فسأله أهل مصر فى تركها للتبرك بها . ويقال إن سيدنا رسول الله أتاه فى المنام وقال له يا إسحاق لا تعارض أهل مصر فى نفيسة لأن الرحمة تتنزل عليهم ببركاتها – فدفنت بالمكان الذى حفرته بيدها وصارت تنزل فيه وتقرأ القرآن – ويقال إنها قرأت فيه القرآن أكثر من ستة آلف ختمة – وقد فاضت روحها الطاهرة وهى تتلو قول الله تعالى ( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ) – وتقول السيدة زينب بنت أخيها القائمة على خدمتها ضممتها إلى صدرى فتشهدت شهادة الحق . ويقول سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إن لـها مائة وخمسين كرامة منها أن النيل قد توقف فى أوان الوفاء وضج الناس وأتوها فأعطتهم قنــاعا وقالت اطرحوه فى التيل فلما طرحوه فى النيل فوجئ الناس من ساعته بتدفقه – وتقول زينب خدمت عمتى أربعين سنة فما رأيتها نامت بليل ولا أفطرت بنهار إلا العيدين وأيام التشريق وقالت كنت أجد عندها ما لا يخطر بخاطرى .
.
من أشعارها : عند مرضها :
اصــرفــوا عنى طبيبى ودعـــونـــى وحبيبى
زادانى شوقــــى إليه وهيامى وحنيــــــن
أقوال الـمؤرخ: ويقول المؤرخ الإسلامى الشيخ عبد الوهاب الشعرانى رضى الله تعالى عنه إن أرواح الأنبياء وأرواح الكمل باقية على الخدمة فى عالم البرزخ وإن لله عز وجل بفضله بكل قبور الأنبياء وأولياء الله الصالحين ملائكة يقضون
حوائج السائلين خصوصا بيوت الأنبياء وأولياء الله لأن أهل البيت هم أهل الكرم والعطاء .
ويقول الإمام أبو حامد الغزالى رضى الله تعالى عنه : إن لعض الصالحين وأولياء الله يشاهدون الملآئكة رأى العين المجردة وأرواح الأنبياء والصالحين يسمعون عنهم أصواتا ويقتبسون منهم الفوائد ولا عجب فى ذلك فالله عز وجل هو القادر على كل شئ
المراجع : خطط المقريزى المتوفى سنة 845 هجرية – الخطط التوفيقية لعلى مبارك – الطبقات الكبرى للامام الشعرانى – البداية والنهاية لابن كثير - تحفة الأحباب للسخاوى – الآثار الإسلاميةلحسن قاسم 1936 – مساجد مصر للدكتورة سعاد ماهر (أول دكتورة فى الآثار المصرية والإسلامية )
هذا المخطوط بخط يد من كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار يختص ذلك بأخبار إقليم مصر والنيل وذكر القاهرة وما يتعلق بها وبإقليمها تأليف سيدنا الشيخ الإمام العالامة
تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزى رحمه الله .وذلك بالجزء الرابع صفحة 440 و441 و442
والـــدهــا : سيدى حسن الأنور بن زيد الأبلج بن سيدنا الحسن بن الإمام على بن أبى طالب وكان يسمى شيخ الشيوخ وكان واليا على المدينة المنـورةمن قبل أبى جعفر المنصور ، وكان إماما عالما جليلا ومن كبار آل البيت ويعد من التابعين ...عاش حياتة حافلة بالخير وجليل الأعمال وكريم الخصال .
تـاريخ ميلادهـا : يوم الاربعاء الموافق الحادى عشر من شهر ربيع الأول سنة 145 هجرية بمكــة المكــرمة .
زوجـــهــا : إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن سيدنا الحسين بن الإمام على رضى الله تعالى عنهما .
إخواتهـــــا : أبو القاسم ، محمد ، على ، إبراهيم ، زيد ، عبيد الله ، يحى المتوج بالأنوار ، اسماعيل ، إسحاق ، أم كلثوم .
حياتـهــــا : اصطحبها والدها وقد بلغت الخامسة من عمرها إلى المدينة المنورة وأخذ يلقنها أمور دينها ودنياها فكانت تذهب إلى المسجد النبوى تسمع من شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه ، وأشهر من التحقت بمجالسهم ( الإمام مالك ) وقد قرأت كتابه ( الموطأ ) وناقشت كل القضايا وبدأ ت تزداد معرفة ، وكانت السيدة تفيسة رضى الله عنها تتمتع بحسن بارع وجمال رائع عـلاوة على إقبالـها على طلب العلـم وما امتازت به من حميد الأخلاق والشمائل لذلك فعندما بلغت كريمة الدارين سن الزواج تـها فت على خطبتها الكثير من شباب أشراف قريش وكان والدها يأبى إجابة طلبهم ويردهم ردا جميلا إلى أن أتاه إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق رضى الله تعالى عنه وكان دار الحس قبالة دار جعفر الصادق من هذا فخطبها من أبيها فلم يرد عليه جوابا ولقب إسحاق المؤتمن لشدة إهتمامه بالأمانات وشهد له الجمي بالدين والصلاح ..وذهب اسحاق المؤتمن إلى المسجد النبوى ودخل الحجرة النبوية الشريفة ووقف تجاه القبر فى خشوع وإجلال فقال ( يا رسول الله إنى خطبت نفيسة بنت الحسن من أبيها فلم يرد على جوابا وإنى لم أخطبها إلا لخيرها ودينها وعبادتها ثم انصرف وقد انشرح صدره واطمأنت نفسه ، وفى تلك الليلة رأى والدها الحسن جده المصطفى صلى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقوك له ( يا حسن زوج نفيسةمن إسحاق المؤتـمن ـ فقد زوجها والدها له بعد أن رأى رسول الله وتم العقد عليها فى يوم الجمعة الخامس من رجب سنة 161 هجرية وكان عمرها 15 سنة وثلاثة شهور تقريبا وبذلك يكون قد اجتمع نوران من بيت النبوة ( سيدا شباب أهل الجنة فجدها سيدنا الحسن رضى الله عنه وزوجها جده سيدنا الإمام الحسين رضى الله تعالى عنه .
خطط المقريزى يقول الـمقريزى فى خططه ( تزوجت السيدة نفيسة بإسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق وكان من أهل الصلاح والخير والفضل والدين ـ وروى عنه الحديث وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثنى الثقة الرضا إسحاق بن جعفر فى بيت كريم ومن أسرة طهرها الله سبحانه وتعالــى تطهيرا وأذهب عنها الرجس ) ، ولعل والدها تنبأ بـها بأن تكون لـها شأن عظيم بين الصالحين والصالحات فقد بدأت فى سن مبكر فى تـلاوة القرآن الكريم بـمفردها ثم عملت على حفظه فى خلال سنة وكانت تؤدى الصلوات الخمس مع والديها فى المسجد الحرام وهى فى سن السادسة
أ ولادهــا الـقـاسـم و أم كلثــوم ـ وحجت السيدة نفيسة مع زوجها ثلاثين مرة وكانت معظمها ماشية على قدميها اقتداء بجدها الإمام الحسن الذى قال (إنى لأستحى من ربى أن ألـقاه ولم أمش إلى بيته .
عـبـادتـها عاشت السيدة نفيسة زاهدة عابدة كانت تصوم النهار وتقوم الليل وكانت رغم ثرائها لا تأكل إلا أكلة واحدة كل ثلاثة ليال وكانت تتفانــى فى طاعة الله عز وجل . تقول لزينب بنت أخيها يحى المتوج ( خدمت مع عمتى نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت النهار فقالت لها أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسى وأمامى عقبات لا يقطعها إلا الفائزون ) وكانت رضى الله تعالى عنها تتحلى بالصبـر عنـدالشدائد والعطف على المساكين ونصرة الضعيف وعيادة المريض وكانت تؤمن بأن من عبد الله تعالى مخلصا كان الكون مسخرا له .
من أقولـهـا : ( ولا يـظلــم ربــك أحــد )
لا مناص من الشوك فى طريق السعادة فمن تخطاه وصل .
إن الصلاة صلة بين العبد وربه وهى المفتاح الذى تفتح به خزائن الروحانيات وركعتان توفرت فيهما هذه الصلة خير مـن ألـف مــن الركعات المجردة منـها – فإذا سجدت فـاذكر أنـك وضعت أكرم ما فى الانسان وهو رأسه فى الأرض طاعة لربه واعترافا بفضله وخوفا منه .
دخولـها مصر استقبل أهل مصر السيدة نفيسة فى 26 من شهر رمضان سنة 193 هجرية وذلك قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعى بخمس سنوات وكان ذلك فى ولايةالحسن بن التختاخ والى مصر من قبل هارون الرشيد وكان استقبالـها بالعريش استقبالا رائعا تلقوها الرجال والنساء مرحبين بها يهللون ويكبرون حتى وصلت مصر ونزلت عند كبير التجار ( جمال الدين عبد الله الجصاصى ) وكان من أهل الصلاح والبر والتقوى وأقامت عنده عدة شهور معززة مكرمة تتوافد عليها جموع الناس من جميع أنحاء الأقطار يلتمسون بركاتها ويرجون من دعائها وكان ممن يحضرون مجلس ( الإمام الشافعى الذى كان يكثر من زيارتـها والتبرك بـها وكان يصلى بـها التراويح فى شهر رمضان ويسألها الدعاء وحين مرض الإمام الشافعى أرسل إليها كعادته يلتمس الدعاء فقالت :متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم ولما سمع الإمام هذا عرف أنه لاحق بربه فأوصى أن تصلى عليه صلاة الجنازة – ويوم مرض بشر بن الحارث وكان دائم التردد عليها فعادته السيدة نفيسة وبينما هى فى زيارته دخل الإمام أحمد بن حنبــل يزوره أيضا فلما عرفها طلب من بشر بن الحارث أن يسألها الدعاء فقالت : اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيـران بك من النار فأجرهما يا أرحــم الراحـمين .0
كرامتهــا : رجتها سيدة تدعى أم هـانى أن تقيم بدارها وكانت امرأة ورعة تقية صالحة فقبلت السيدة نفيسة وانتقلت إليها وكان الزوار يزورنها ويتبركون بها وكان بجوار أم هانى رجل من اليهود يقال له ( أبو السرايا أيوب بن صابر ) وله ابنة قعيدة وفى يوم من الأيام توجهت بها أمها إلى السيدة نفيسة واستأذنتها فى بقائها فى حماها إلى أن تعود من حمامها فتركتها فى رد هة الدار ومضتإالى الحمام حتى إذا جاء وقت الصلاة – صلاة الظهر نـهضت السيدة نفيسة رضى الله عنها لوضوئها والبنت الصغيرة القعيدة ترقبها – وكان ماء الوضوء – يجرى فى مجرى بالردهة إلى بئر تحت
عتبة الدار – فألهم الله عز وجل البنت أن تزحف من مكان قعدتـها لتصل إلى ذلك المجرى زاحفة فأخذت فى تقليد السيدة نفيسة فيما تفعـل من غسيل وجهها ويدها ورجليها وما أن غسلت رجليها من فضل وضوء السسيدة نفيسة حتى قامت واقفة وزال عنها العجز – وعندما عاد أبوه وعرف بالمعجزة ذهبا إلى السيدة نفيسة يطلبان أن تشفع لهما بالتوبة فما أن انتهت من دعائها حتى نطق أبو السرايا الشهادتين وسرى الخبر تلك الجهة فأسلم أهلها وكانوا أكثر من سبعين بيتا من اليهود – ثم سر الخبر فى مصر فهرع إليها حشود من البشر يلتمسون عندها البركة وازدحمت بـها الدار ففكرت السيدة نفيسة فى مغادرة مصر حيث تعود إلى مدينة رسول الله صلى الله علية وسلم لتقضى بقية عمرها فى هدوء وعبادة ولما علم أهل مصر بذلك شق عليهم أن تفارقهم ، فالتمسوا منها العدول عن عزمها ورجوها البقاء بينهم ولكن أصرت على طلبها فلجأوا إلى والى مصر السرى بن الحكم بن يوسف فانتقل اليها يستعطـفها ويطلب منها البقاء فقالت : (إنى كنت قد عزمت المقام عندك ، غير أنى امرأة ضعيفة وقد تكاثر الناس حولى وأكثروا من زيارتى فشغلونى عن أورادى وجمع زادى لمعادى ، غير أن منزلى هذا يضيق لهذا الجمع الكثيف والعدد الكبير ولقد زاد حنينى إلى روضة جدى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال لها السرى ياابنة رسول الله إنى كفيل بإزالة ما تشكين منه وسأمهد لك السبيل وأهيئ لك ما فيه راحتك ورضاؤك ، أما ضيق المنزل فإن لى دارا واسعة بدرب السباع وإنى أشهد الله تعالى أنى وهبتها لك وأسألك أن تقبليهـا منى ولا تخجلينى بردها على فقالت بعد سكوت طويل : إنى قد قبلتها منك ، وقالت : يا سرى كيف أصنع بهذه الجموع الكثيرة والوفود الغفير فقال : تتفقين معهم على أن يكون للزوار فى كل جمعة يومان وباقى الأسبوع تتفرغين لعبادتك أى ( السبت والأربعاء للناس ) ، وظلت السيدة نفيسة بمصر حتى كان يوم لقائها بربها الذى كانت تنتظره بشوق ، ويـقول العلامة الأجهورى إن السيدة نفيسة رضى الله عنها حفرت قبرهـا الشريف بيدها ، أى أمرت ببنائه وقالت زينب بنت أخيها ( تألمت عمتى فى أول يوم من رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتابا وكان غائب بالمدينة تطلب إليه فيه المجئ إليها وموافاتها لإحساسها بدنوا أجلها ومازلت متوعكة إلى أن كان يوم الجمعة من شهر رمضان فزاد عليها الألم وهى صائمة فدخل عليها الأطباء فأشاروا عليها بالإفطار فقالت : واعجباه إن لى ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفانى وأنا صائمة أفأفطر اليوم ...؟، معاذ الله وتوفيت فى 15 رمضان سنة 208 هجرية ( 809 ميلادية ) وكان زوجها يريد أن ينقلها إلى البقيع فسأله أهل مصر فى تركها للتبرك بها . ويقال إن سيدنا رسول الله أتاه فى المنام وقال له يا إسحاق لا تعارض أهل مصر فى نفيسة لأن الرحمة تتنزل عليهم ببركاتها – فدفنت بالمكان الذى حفرته بيدها وصارت تنزل فيه وتقرأ القرآن – ويقال إنها قرأت فيه القرآن أكثر من ستة آلف ختمة – وقد فاضت روحها الطاهرة وهى تتلو قول الله تعالى ( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ) – وتقول السيدة زينب بنت أخيها القائمة على خدمتها ضممتها إلى صدرى فتشهدت شهادة الحق . ويقول سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إن لـها مائة وخمسين كرامة منها أن النيل قد توقف فى أوان الوفاء وضج الناس وأتوها فأعطتهم قنــاعا وقالت اطرحوه فى التيل فلما طرحوه فى النيل فوجئ الناس من ساعته بتدفقه – وتقول زينب خدمت عمتى أربعين سنة فما رأيتها نامت بليل ولا أفطرت بنهار إلا العيدين وأيام التشريق وقالت كنت أجد عندها ما لا يخطر بخاطرى .
.
من أشعارها : عند مرضها :
اصــرفــوا عنى طبيبى ودعـــونـــى وحبيبى
زادانى شوقــــى إليه وهيامى وحنيــــــن
أقوال الـمؤرخ: ويقول المؤرخ الإسلامى الشيخ عبد الوهاب الشعرانى رضى الله تعالى عنه إن أرواح الأنبياء وأرواح الكمل باقية على الخدمة فى عالم البرزخ وإن لله عز وجل بفضله بكل قبور الأنبياء وأولياء الله الصالحين ملائكة يقضون
حوائج السائلين خصوصا بيوت الأنبياء وأولياء الله لأن أهل البيت هم أهل الكرم والعطاء .
ويقول الإمام أبو حامد الغزالى رضى الله تعالى عنه : إن لعض الصالحين وأولياء الله يشاهدون الملآئكة رأى العين المجردة وأرواح الأنبياء والصالحين يسمعون عنهم أصواتا ويقتبسون منهم الفوائد ولا عجب فى ذلك فالله عز وجل هو القادر على كل شئ
المراجع : خطط المقريزى المتوفى سنة 845 هجرية – الخطط التوفيقية لعلى مبارك – الطبقات الكبرى للامام الشعرانى – البداية والنهاية لابن كثير - تحفة الأحباب للسخاوى – الآثار الإسلاميةلحسن قاسم 1936 – مساجد مصر للدكتورة سعاد ماهر (أول دكتورة فى الآثار المصرية والإسلامية )
هذا المخطوط بخط يد من كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار يختص ذلك بأخبار إقليم مصر والنيل وذكر القاهرة وما يتعلق بها وبإقليمها تأليف سيدنا الشيخ الإمام العالامة
تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزى رحمه الله .وذلك بالجزء الرابع صفحة 440 و441 و442