الدكتور . عبد الهادي التازي
المملكةالمغربية
بسـم الله الرحمن الرحـيم
كان اولقادم على المغرب، من ذرية الامام علي بن ابي طالب، هو المولى ادريس بن عبد اللهالكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت الرسول عليهالصلوات، وذلك بإجماع المؤلفين الذين كتبوا عن تاريخ المغرب بعد ظهورالاسلام...
وقد كان وصول ادريس الى افريقيا عبر البحر الاحمر بعد وقعة فخالتي جرت يوم ثامن ذي الحجة 169 (10 يونية 786). ومن طنجة التي نزل بها، بادئ الامروجه نداءه التاريخي الى المغاربة، ولم يلبث ان تلقى البيعة يوم الجمعة رابع رمضانسنة 172 (6 يبراير 789) حيث انشأ مملكةً بالمغرب مستقلةً عن الخلافة العباسيةببغداد.
ويتأكد ان حركة الامام ادريس التي امتدت الى تلمسان وتجاوزته الىمفاتحة والي مصر للانضمام الى آل البيت، يتأكد ان تلك الحركة اغضبت العباسيينببغداد!
ولأن المسافة بعيدة كان يصعب معها ارسال الجيش لمقاومة حركة ادريس،فقد بعثوا بمن احتال عليه وقام باغتياله! وقد حسبوا ان الامر انتهى، لكن الدولةاستمرت بجهود ابنه ادريس الثاني الذي انشأ له سنة 192 (808 م) عاصمة تحمل اسم فاسبعد ان وفدت عليه حشود من الأندلس وإفريقية بل ومن العراق وفارس ممن تعرضواللاضطهاد والقمع والظلم في تلك الجهات(1) .
ومن هنا نُعتت فاس بأنها ملاذالخائفين، فقد اصبحت فعلاً كعبة القاصدين ولا سيما من الاشراف، او السادة كمايسمونهم بالمشرق، بمن تشملهم كلمة الاشراف او الشرفاء من أُسر عديدة فيها الحسنيونوفيها الحسينيون.
وهكذا وجدنا ان هناك خمس فصائل اساسية:
الاولى: الأدارسة بمن فيهم الجوطيون بجميع فِرَقهم، ومن فيهم من غير الجوطيين وهم كثيركثير...
الثانية: المحمديون وهم العلويون الواردون من ينبع والذين يوجدوناليوم ومنذ أكثر من خمسة قرون على رأس الحكم بالمغرب..
الثالثة: الموسويونويندرج فيهم القادريون...
الرابعة: العريضيون، ويشملون الأشراف الحسينين منصقليين وبني عمهم.
الخامسة: الكاظميون وهم الأشراف المنعوتونبالعراقيين...
ومن الملاحظ أن الأشراف بالمغرب وخاصة منهم الأدارسة الأوائلتعرضوا لمحنة كبرى أواخر الدوله الأدريسية بسبب تصميمهم على ان يحتفظوا باستقلالبلادهم ضد أطماع الأمويين بالأندلس فيهم وضد أطماع بعض الزعماء المحليين الذينكانوا يعملون لحساب جهات خارج المغرب .
ظلوا ولفترة قرن كامل يقاومونويناضلون... وقد مرت بهم فترة من الفتراتِ الحاكمةِ كانوا يضطرون فيها للهجرة ألىالصحاري والجبال، بل يضطرون ألى تغيير انسابهم وأسماءهم حتى يفلتوا من القتلوالسفك، وما بطش موسى ابن أبى العافيه بغائب عن أسماع كل المغاربه بل وعن المهتمينبتاريخ الغرب الاسلامي كله !
والجدير بالذكر في هذا المقام أن المؤرخينالمغاربه اهتموا جميعهم بأمر الأنساب، ولذلك نجد العشرات من التآليف التي تنصب علىمعالجة هذا الموضوع، نجد أنهم جميعهم وهم يتحدثون عن تاريخ بناء فاس مثلاً لابد وأنيستحضروا مؤسس المدينة، ويذكرون نسبه وذريته، كما نجدهم أي المغاربة، وهم يتصاهرونبعضهم مع بعض، يحرصون على ذكر شجرة الشريف منهم في صلب عقد الصداق بحيث نجد أنالزوج الذي ينتسب للدوحة الشريفة يحرص على ذكر والده وجده الى أن يصل الى الامامعلي وزوجته السيده فاطمة الزهراء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للزوجة الشريفة التيتحرص على أن يذكر أسلافها واحداً واحداً الى مولانا علي ومولاتنا فاطمة...
ولم يكن غريباً علينا أن السلطان المريني أبا الحسن علي بن السلطان أبيسعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، واسطة عقد الدولة المرينية وأحدسلاطينها الأجلاء ـ المتوفى بجبل هنتاته جنوب المغرب يوم 27 ربيع الأول 752 (1352) ـ أن نجد هذا السلطان يقوم بعملية جرد لجميع الشرفاء القرباء والبعداء، ويبعث بقاضيالحضرة الفاسية العالم الاكبر، السفير الاجل ابا سالم ابراهيم بن ابي زيد عبدالرحمن بن ابي يحيى التازي، يبعث به لسائر اطراف البلاد مميزاً لأعيانهم ومختبراًلأنسابهم الى ان اتم جرداً لأمير المؤمنين يستوعب سائر الانسابوالاحساب...
وقد اقتدى السلطان ابو سالم بن ابي الحسن بوالده فقام بدورهبتفقد الاشراف وجمع شملهم وتعهدهم بالصلات، بل وجعل عليهم نقيباً يحمي حقوقهم ويرعىمنزلهم، وكان هذا النقيب هو ابو عبد الله بن محمد بن محمد بن عمران بن عبد الواحدبن احمد بن علي بن يحيى(2) .
والحقيقة ان الملوك المغاربة اقتدوا في هذاالصنيع بما هو معروف عند العلامة الماوردي المتوفي سنة (450 هـ 1058) في تأليفه «الاحكام السلطانية والولايات الدينية»(3) الذي خصص الباب الثامن من كتابه للحديثعن انشاء النقابة على ذوي الأنساب...
لقد كان الماوردي صريحاً في نمييز أهلالبيت عن غيرهم لدرجة انه افاد انه اذا تنازع احد من آل ابي طالب مع احد ينتمي الىغيرهم من العباسيين مثلاً فإنه لا تجب على احد منهما الاجابة لحكم غير حكم نقيبه،الى آخر ما جاء في الباب من فقه جدير بالعودة اليه.
والمهم بالنسبة الىّ فيهذا الموضوع ان ابرز المركز الاجتماعي لأهل البيت من خلال الاحداث التي عاشهاالمغرب ويعيشها عبر تاريخة الطويل العريض. وأشير الى ارتباط الاسر المغربية الشريفةبأصولها التي توجد بالمشرق ، وهو الامر الذي يحتاج الى تظافر جهود النسابة في كلجهات العالم الاسلامي بل وغير العالم الاسلامي من اجل المزيد من الضبط والتحريوالحزم.
وإذا ساغ لنا ان نقارن بين ما صدر في الديار المشرقية من تأليف عبرالمحاولات التي ظهرت لحد الآن من اجل ضبط فضائل ابناء الرسول(4) فإننا سنباغت بوفرةالمراجع المغربية التي تناولت أحياناً كل فصيلة على حدة واحياناً على ما يتفرع عنتلك الفصيلة، واحياناً اخرى على الاسرة الواحدة تسكن في حي من احياء المدينة اوقرية من القرى او مدينة من المدن...
ومن الطريف ان نجد في هذه المصادروالمراجع ما دون بالنظم كذلك على نحو ما نقرأه عند الشيخ ابي زيد عبد الرحمن الفاسيفي موسوعته الشعرية المعروفة تحت اسم «الاقتوم في مبادئ العلوم» حيث نراه يخصصجانباً مهماً من هذا التأليف للحديث عن (علم انساب الشرفاء بالمغرب)، كما يخصصباباً على حدة للأشراف الأدارسة الجوطيين .
وحتى يكون عملنا دقيقاً، نرى منالمفيد ان نستعرض بعض التآليف المتخصصة حول الانساب في المغرب مما يعتبر مرجعاًاساسياً حول الموضوع.
ويتعلق الامر بمخطوطة (الاشراف على بعض من حل بفاس منمشاهير الاشراف) الذي الفه عالم متخصص هو القاضي الطالب ابن الحاج الذي كان يمتازبتعدد اصدقائه ومعارفه وتنوع مراجعه ومصادره(5).
والمهم في مقدمة الكتابانها تستوعب ذكر عدد من النقول التي تعزز المعلومات التي اعتمد عليها المؤلف بمافيها التآليف السابقة واللاحقة.
وهكذا يتبين من خلال مقدمة التأليف المذكورفيما يتصل بأبناء سيدنا الحسن والحسين ان مرجعهم الى اثني عشر سبطاً: ستة من سيدناالحسن وستة من سيدنا الحسين، فالحسنيون: واحد منهم من الحسن بن زيد بن الحسن السبط،وخمسة من الحسن المثنى، وهم عبد الله الكامل، وابراهيم، والحسن المثلث، وجعفر،وداوود.
والحسينيون كلهم من ابناء علي زين العابدين بن الحسين (بالياء) السبط، وهم محمد الباقر، وعبد الله، وزيد الشهيد، وعلي والحسين (بالياء) وعمر.
وممن اوسع الكلام من حفاظ النسب حول الاسباط الاثني عشر تاج الدين ابنمعين الحسني في كتابه (هداية الطالب في نسب آل ابي طالب)، وشهاب الدين بن عنبةالحسني في كتابه (عمدة الطالب في نسب آل ابي طالب) والسمرقندي الحسني في كتابه (تحقّق الطالب فيمن ينسب الى عبد الله وابي طالب) والازورقاني الحسني في كتابه (بحرالانساب فيما للسبطين من الاعقاب...) وعلي الشامي في تأليفة (مبادرة الاسعاف بنظماجداد بعض الاشراف) وسليمان الحوات في تأليفه (اثمد العُيُون في شرفاء أهل العيون) والسّجلماسي في كتابه (الابريز في مناقب الشيخ عبد العزيز).
وقد تبين انمرجعهم الى ست فصائل:
الفصيلة الاولى: الادارسة، بنو الامام ادريسسالف الذكر.
ويأتي في صدر الادارسة الفريق يحمل نعت الجوطيين (نسبة الىجوطة) قرية عظيمة كانت على نهر سبو حيث توجد اليوم بلاد اولاد عمران كانت ميناءًهاماً يتوفر على دار لبناء السفن، كان يربط المنطقة بأعالي البحار عبر النهرالمذكور، ادركها الخراب وتحيفها النهر على حد تعبير المؤرخين . كان اول من نزلبجوطة يحيى بن القاسم الملقب بالعدّام لكثر ما يقوم به اثناء الجهاد من اعداماتلخصوم الاسلام ومرجع هؤلاء الى خمس فرق:
* الفرقة الاولى: الطاهريون،نسبةالى جدهم ابي الجمال طاهر ... وقد تعددت النقابة في هذه الفرقة بفاس منذ قدومهمعليها من مكناس في النصف الثاني من القرن التاسع...
* الفرقة الثانية: الشبيهيون، نسبة الى جدهم السيد احمد الشبيه، ودعي الشبيه لأنه كان يشبه جده صلىالله عليه وسلم ... وبيت هؤلاء الشرفاء بمكناسة وزرهون وهم ولاة ضريح الإمام ادريسالاكبر... الى الآن.
* الفرقة الثالثة: العمرانيون، وينسبون الى جدهم عمران،وهؤلاء الاشراف من كبار الاعيان وأهل النباهة والشأن، كانت فيهم النقابة، وهذهالفرقة بفاس ذات فرعين:
* احدهما: الذين استمرت لهم الشهرة بهذه النسبةالعمرانية الى الآن.
* وثانيهما: شرفاء دار القيطون والنسبة الى جدهم ابيالعلاء ادريس سادس الابناء من عمران عنوان شهرتهم، الذي كان يسكن دار القيطون التيتوجد الى الآن بحرم الضريح الادريسي.
* الفرقة الرابعة: الطالبيون، نسبة الىجدهم ابي طالب سادس الابناء من ابي عبد الله محمد الجد التاسع للفروع الجوطية كلها،وهو ابو طالب بن سليمان ابن محمد بن قاسم بن العباس ابن محمد المذكور. وهذه الفرقةمن اهل الشرف الباذخ والشيم الطاهرة اصحاب الحسب الاصيل والمنصب الجليل ... اصحابالتواضع الذي يفوق تواضع سائر من رأينا من الاشراف ... كانوا، قبل العمرانيينوالطاهريين ولاةً لضريح جدهم المولى ادريس قاطنين بدار القيطون.
وبعد خروجهممنها نزلوا بعدوة الاندلس بدرب السعود المعروف الى اليوم بهذا الاسم وكان الذياخرجهم من دار القيطون عاهل بني مرين عندما سَعى في ذلك العلامة ابن مرزوق الذيتزوج بنت الشريف العمراني(6).
واسم جدهم الذين تفرعوا عنه ابو عبد الله محمدعاشر الابناء من ابي طالب احمد بن ابي طالب بن احمد بن ابي طالب بن احمد بن ابيطالب بن محمد ابن ابي طالب المذكور، فالتسمية بأبي طالب تكررت في عمودهم بعد جدهمسليمان.
* الفرقة الخامسة: الفرجيون، نسبة الى جدهم ابي الفرج، ثالث الابناءمن ابي محمد عبد الواحد الذين يجتمعون فيه مع الشبيهيين وخامس الابناء من ابي محمدعبد الواحد الذين يجتمعون فيه مع الطاهريين، وثامن الابناء من ابي عبد الله محمدالجامع للفروع الجوطية كلها...
وهو ابو الفرج بن ادريس بن عبد الواحد بنمحمد بن علي بن عبد الواحد المجاهد...
وقد توزعوا فمنهم من يقيم بمكناسومنهم من يقيم بفاس، وهم ثلاثة فروع:
الغالبيون نسبة الى جدهم ابي غالب...
والفرع الثاني الفرجيون من مكناسة الزيتون ...
والفرع الثالث منالفرجيين الطالبيون نسبة الى جدهم ابي طالب ثالث الابناء من ابي الفرج ...
وجميع هؤلاء ومن انحدر منهم يحملون نعت الجوطيين نسبة الى جدهم.
وقدبقي من هذه الفصيلة الاولى من غير الجوطيين عدد كبير من الاشراف ممن حملوا فيالتاريخ اسماءً اخرى تميزهم، نعوتاً لحرف اشتهروا بها، أو لمواقع جغرافية عرفوافيها او لأحداث مرت بهم فالتصقت بهم، ونذكر من هؤلاء السادة الشرفاء المدعويينبالدباغيين.
وهم اصلاً من شرفاء آيت عتاب من ناحية تادلة لناحية الدِلاء، منبني الامير عيسى بن ادريس، المولى من قبل اخيه محمد على شالة وسلا وأزمور وتامسناوما والى ذلك(7)...
وقد سكن الدباغيون بغرناطة على نحو ما كان بعض بنيادريس، سكنوها اختياراً، او اضطراراً ايام الاحداث السياسية...
ثم انتقلواالى سلا ثم الى حومة العيون من فاس، سموا هكذا لأنهم كانوا يأخذون خراج دار الدبغسلا، بأمر السلطان احمد بن سالم المريني.
ومن الشرفاء المدعوون بالكتانيينالمعروفين بشرفاء عقبة بن صوال، وهم من بني الامير محمد بن ادريس الخليفة بالمغرببعد اغتيال والده، ولما تغلب موسى بن ابي العافية المكناسي على فاس وقتل الأدارسةاربعمائة بحومة وادي الشرفاء من عدوة فاس القرويين فرَّ من فلت منهم من القتل كمااشرنا قبل الى جهات عديدة من المغرب في الجبال والصحاري!!
المملكةالمغربية
بسـم الله الرحمن الرحـيم
كان اولقادم على المغرب، من ذرية الامام علي بن ابي طالب، هو المولى ادريس بن عبد اللهالكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت الرسول عليهالصلوات، وذلك بإجماع المؤلفين الذين كتبوا عن تاريخ المغرب بعد ظهورالاسلام...
وقد كان وصول ادريس الى افريقيا عبر البحر الاحمر بعد وقعة فخالتي جرت يوم ثامن ذي الحجة 169 (10 يونية 786). ومن طنجة التي نزل بها، بادئ الامروجه نداءه التاريخي الى المغاربة، ولم يلبث ان تلقى البيعة يوم الجمعة رابع رمضانسنة 172 (6 يبراير 789) حيث انشأ مملكةً بالمغرب مستقلةً عن الخلافة العباسيةببغداد.
ويتأكد ان حركة الامام ادريس التي امتدت الى تلمسان وتجاوزته الىمفاتحة والي مصر للانضمام الى آل البيت، يتأكد ان تلك الحركة اغضبت العباسيينببغداد!
ولأن المسافة بعيدة كان يصعب معها ارسال الجيش لمقاومة حركة ادريس،فقد بعثوا بمن احتال عليه وقام باغتياله! وقد حسبوا ان الامر انتهى، لكن الدولةاستمرت بجهود ابنه ادريس الثاني الذي انشأ له سنة 192 (808 م) عاصمة تحمل اسم فاسبعد ان وفدت عليه حشود من الأندلس وإفريقية بل ومن العراق وفارس ممن تعرضواللاضطهاد والقمع والظلم في تلك الجهات(1) .
ومن هنا نُعتت فاس بأنها ملاذالخائفين، فقد اصبحت فعلاً كعبة القاصدين ولا سيما من الاشراف، او السادة كمايسمونهم بالمشرق، بمن تشملهم كلمة الاشراف او الشرفاء من أُسر عديدة فيها الحسنيونوفيها الحسينيون.
وهكذا وجدنا ان هناك خمس فصائل اساسية:
الاولى: الأدارسة بمن فيهم الجوطيون بجميع فِرَقهم، ومن فيهم من غير الجوطيين وهم كثيركثير...
الثانية: المحمديون وهم العلويون الواردون من ينبع والذين يوجدوناليوم ومنذ أكثر من خمسة قرون على رأس الحكم بالمغرب..
الثالثة: الموسويونويندرج فيهم القادريون...
الرابعة: العريضيون، ويشملون الأشراف الحسينين منصقليين وبني عمهم.
الخامسة: الكاظميون وهم الأشراف المنعوتونبالعراقيين...
ومن الملاحظ أن الأشراف بالمغرب وخاصة منهم الأدارسة الأوائلتعرضوا لمحنة كبرى أواخر الدوله الأدريسية بسبب تصميمهم على ان يحتفظوا باستقلالبلادهم ضد أطماع الأمويين بالأندلس فيهم وضد أطماع بعض الزعماء المحليين الذينكانوا يعملون لحساب جهات خارج المغرب .
ظلوا ولفترة قرن كامل يقاومونويناضلون... وقد مرت بهم فترة من الفتراتِ الحاكمةِ كانوا يضطرون فيها للهجرة ألىالصحاري والجبال، بل يضطرون ألى تغيير انسابهم وأسماءهم حتى يفلتوا من القتلوالسفك، وما بطش موسى ابن أبى العافيه بغائب عن أسماع كل المغاربه بل وعن المهتمينبتاريخ الغرب الاسلامي كله !
والجدير بالذكر في هذا المقام أن المؤرخينالمغاربه اهتموا جميعهم بأمر الأنساب، ولذلك نجد العشرات من التآليف التي تنصب علىمعالجة هذا الموضوع، نجد أنهم جميعهم وهم يتحدثون عن تاريخ بناء فاس مثلاً لابد وأنيستحضروا مؤسس المدينة، ويذكرون نسبه وذريته، كما نجدهم أي المغاربة، وهم يتصاهرونبعضهم مع بعض، يحرصون على ذكر شجرة الشريف منهم في صلب عقد الصداق بحيث نجد أنالزوج الذي ينتسب للدوحة الشريفة يحرص على ذكر والده وجده الى أن يصل الى الامامعلي وزوجته السيده فاطمة الزهراء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للزوجة الشريفة التيتحرص على أن يذكر أسلافها واحداً واحداً الى مولانا علي ومولاتنا فاطمة...
ولم يكن غريباً علينا أن السلطان المريني أبا الحسن علي بن السلطان أبيسعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، واسطة عقد الدولة المرينية وأحدسلاطينها الأجلاء ـ المتوفى بجبل هنتاته جنوب المغرب يوم 27 ربيع الأول 752 (1352) ـ أن نجد هذا السلطان يقوم بعملية جرد لجميع الشرفاء القرباء والبعداء، ويبعث بقاضيالحضرة الفاسية العالم الاكبر، السفير الاجل ابا سالم ابراهيم بن ابي زيد عبدالرحمن بن ابي يحيى التازي، يبعث به لسائر اطراف البلاد مميزاً لأعيانهم ومختبراًلأنسابهم الى ان اتم جرداً لأمير المؤمنين يستوعب سائر الانسابوالاحساب...
وقد اقتدى السلطان ابو سالم بن ابي الحسن بوالده فقام بدورهبتفقد الاشراف وجمع شملهم وتعهدهم بالصلات، بل وجعل عليهم نقيباً يحمي حقوقهم ويرعىمنزلهم، وكان هذا النقيب هو ابو عبد الله بن محمد بن محمد بن عمران بن عبد الواحدبن احمد بن علي بن يحيى(2) .
والحقيقة ان الملوك المغاربة اقتدوا في هذاالصنيع بما هو معروف عند العلامة الماوردي المتوفي سنة (450 هـ 1058) في تأليفه «الاحكام السلطانية والولايات الدينية»(3) الذي خصص الباب الثامن من كتابه للحديثعن انشاء النقابة على ذوي الأنساب...
لقد كان الماوردي صريحاً في نمييز أهلالبيت عن غيرهم لدرجة انه افاد انه اذا تنازع احد من آل ابي طالب مع احد ينتمي الىغيرهم من العباسيين مثلاً فإنه لا تجب على احد منهما الاجابة لحكم غير حكم نقيبه،الى آخر ما جاء في الباب من فقه جدير بالعودة اليه.
والمهم بالنسبة الىّ فيهذا الموضوع ان ابرز المركز الاجتماعي لأهل البيت من خلال الاحداث التي عاشهاالمغرب ويعيشها عبر تاريخة الطويل العريض. وأشير الى ارتباط الاسر المغربية الشريفةبأصولها التي توجد بالمشرق ، وهو الامر الذي يحتاج الى تظافر جهود النسابة في كلجهات العالم الاسلامي بل وغير العالم الاسلامي من اجل المزيد من الضبط والتحريوالحزم.
وإذا ساغ لنا ان نقارن بين ما صدر في الديار المشرقية من تأليف عبرالمحاولات التي ظهرت لحد الآن من اجل ضبط فضائل ابناء الرسول(4) فإننا سنباغت بوفرةالمراجع المغربية التي تناولت أحياناً كل فصيلة على حدة واحياناً على ما يتفرع عنتلك الفصيلة، واحياناً اخرى على الاسرة الواحدة تسكن في حي من احياء المدينة اوقرية من القرى او مدينة من المدن...
ومن الطريف ان نجد في هذه المصادروالمراجع ما دون بالنظم كذلك على نحو ما نقرأه عند الشيخ ابي زيد عبد الرحمن الفاسيفي موسوعته الشعرية المعروفة تحت اسم «الاقتوم في مبادئ العلوم» حيث نراه يخصصجانباً مهماً من هذا التأليف للحديث عن (علم انساب الشرفاء بالمغرب)، كما يخصصباباً على حدة للأشراف الأدارسة الجوطيين .
وحتى يكون عملنا دقيقاً، نرى منالمفيد ان نستعرض بعض التآليف المتخصصة حول الانساب في المغرب مما يعتبر مرجعاًاساسياً حول الموضوع.
ويتعلق الامر بمخطوطة (الاشراف على بعض من حل بفاس منمشاهير الاشراف) الذي الفه عالم متخصص هو القاضي الطالب ابن الحاج الذي كان يمتازبتعدد اصدقائه ومعارفه وتنوع مراجعه ومصادره(5).
والمهم في مقدمة الكتابانها تستوعب ذكر عدد من النقول التي تعزز المعلومات التي اعتمد عليها المؤلف بمافيها التآليف السابقة واللاحقة.
وهكذا يتبين من خلال مقدمة التأليف المذكورفيما يتصل بأبناء سيدنا الحسن والحسين ان مرجعهم الى اثني عشر سبطاً: ستة من سيدناالحسن وستة من سيدنا الحسين، فالحسنيون: واحد منهم من الحسن بن زيد بن الحسن السبط،وخمسة من الحسن المثنى، وهم عبد الله الكامل، وابراهيم، والحسن المثلث، وجعفر،وداوود.
والحسينيون كلهم من ابناء علي زين العابدين بن الحسين (بالياء) السبط، وهم محمد الباقر، وعبد الله، وزيد الشهيد، وعلي والحسين (بالياء) وعمر.
وممن اوسع الكلام من حفاظ النسب حول الاسباط الاثني عشر تاج الدين ابنمعين الحسني في كتابه (هداية الطالب في نسب آل ابي طالب)، وشهاب الدين بن عنبةالحسني في كتابه (عمدة الطالب في نسب آل ابي طالب) والسمرقندي الحسني في كتابه (تحقّق الطالب فيمن ينسب الى عبد الله وابي طالب) والازورقاني الحسني في كتابه (بحرالانساب فيما للسبطين من الاعقاب...) وعلي الشامي في تأليفة (مبادرة الاسعاف بنظماجداد بعض الاشراف) وسليمان الحوات في تأليفه (اثمد العُيُون في شرفاء أهل العيون) والسّجلماسي في كتابه (الابريز في مناقب الشيخ عبد العزيز).
وقد تبين انمرجعهم الى ست فصائل:
الفصيلة الاولى: الادارسة، بنو الامام ادريسسالف الذكر.
ويأتي في صدر الادارسة الفريق يحمل نعت الجوطيين (نسبة الىجوطة) قرية عظيمة كانت على نهر سبو حيث توجد اليوم بلاد اولاد عمران كانت ميناءًهاماً يتوفر على دار لبناء السفن، كان يربط المنطقة بأعالي البحار عبر النهرالمذكور، ادركها الخراب وتحيفها النهر على حد تعبير المؤرخين . كان اول من نزلبجوطة يحيى بن القاسم الملقب بالعدّام لكثر ما يقوم به اثناء الجهاد من اعداماتلخصوم الاسلام ومرجع هؤلاء الى خمس فرق:
* الفرقة الاولى: الطاهريون،نسبةالى جدهم ابي الجمال طاهر ... وقد تعددت النقابة في هذه الفرقة بفاس منذ قدومهمعليها من مكناس في النصف الثاني من القرن التاسع...
* الفرقة الثانية: الشبيهيون، نسبة الى جدهم السيد احمد الشبيه، ودعي الشبيه لأنه كان يشبه جده صلىالله عليه وسلم ... وبيت هؤلاء الشرفاء بمكناسة وزرهون وهم ولاة ضريح الإمام ادريسالاكبر... الى الآن.
* الفرقة الثالثة: العمرانيون، وينسبون الى جدهم عمران،وهؤلاء الاشراف من كبار الاعيان وأهل النباهة والشأن، كانت فيهم النقابة، وهذهالفرقة بفاس ذات فرعين:
* احدهما: الذين استمرت لهم الشهرة بهذه النسبةالعمرانية الى الآن.
* وثانيهما: شرفاء دار القيطون والنسبة الى جدهم ابيالعلاء ادريس سادس الابناء من عمران عنوان شهرتهم، الذي كان يسكن دار القيطون التيتوجد الى الآن بحرم الضريح الادريسي.
* الفرقة الرابعة: الطالبيون، نسبة الىجدهم ابي طالب سادس الابناء من ابي عبد الله محمد الجد التاسع للفروع الجوطية كلها،وهو ابو طالب بن سليمان ابن محمد بن قاسم بن العباس ابن محمد المذكور. وهذه الفرقةمن اهل الشرف الباذخ والشيم الطاهرة اصحاب الحسب الاصيل والمنصب الجليل ... اصحابالتواضع الذي يفوق تواضع سائر من رأينا من الاشراف ... كانوا، قبل العمرانيينوالطاهريين ولاةً لضريح جدهم المولى ادريس قاطنين بدار القيطون.
وبعد خروجهممنها نزلوا بعدوة الاندلس بدرب السعود المعروف الى اليوم بهذا الاسم وكان الذياخرجهم من دار القيطون عاهل بني مرين عندما سَعى في ذلك العلامة ابن مرزوق الذيتزوج بنت الشريف العمراني(6).
واسم جدهم الذين تفرعوا عنه ابو عبد الله محمدعاشر الابناء من ابي طالب احمد بن ابي طالب بن احمد بن ابي طالب بن احمد بن ابيطالب بن محمد ابن ابي طالب المذكور، فالتسمية بأبي طالب تكررت في عمودهم بعد جدهمسليمان.
* الفرقة الخامسة: الفرجيون، نسبة الى جدهم ابي الفرج، ثالث الابناءمن ابي محمد عبد الواحد الذين يجتمعون فيه مع الشبيهيين وخامس الابناء من ابي محمدعبد الواحد الذين يجتمعون فيه مع الطاهريين، وثامن الابناء من ابي عبد الله محمدالجامع للفروع الجوطية كلها...
وهو ابو الفرج بن ادريس بن عبد الواحد بنمحمد بن علي بن عبد الواحد المجاهد...
وقد توزعوا فمنهم من يقيم بمكناسومنهم من يقيم بفاس، وهم ثلاثة فروع:
الغالبيون نسبة الى جدهم ابي غالب...
والفرع الثاني الفرجيون من مكناسة الزيتون ...
والفرع الثالث منالفرجيين الطالبيون نسبة الى جدهم ابي طالب ثالث الابناء من ابي الفرج ...
وجميع هؤلاء ومن انحدر منهم يحملون نعت الجوطيين نسبة الى جدهم.
وقدبقي من هذه الفصيلة الاولى من غير الجوطيين عدد كبير من الاشراف ممن حملوا فيالتاريخ اسماءً اخرى تميزهم، نعوتاً لحرف اشتهروا بها، أو لمواقع جغرافية عرفوافيها او لأحداث مرت بهم فالتصقت بهم، ونذكر من هؤلاء السادة الشرفاء المدعويينبالدباغيين.
وهم اصلاً من شرفاء آيت عتاب من ناحية تادلة لناحية الدِلاء، منبني الامير عيسى بن ادريس، المولى من قبل اخيه محمد على شالة وسلا وأزمور وتامسناوما والى ذلك(7)...
وقد سكن الدباغيون بغرناطة على نحو ما كان بعض بنيادريس، سكنوها اختياراً، او اضطراراً ايام الاحداث السياسية...
ثم انتقلواالى سلا ثم الى حومة العيون من فاس، سموا هكذا لأنهم كانوا يأخذون خراج دار الدبغسلا، بأمر السلطان احمد بن سالم المريني.
ومن الشرفاء المدعوون بالكتانيينالمعروفين بشرفاء عقبة بن صوال، وهم من بني الامير محمد بن ادريس الخليفة بالمغرببعد اغتيال والده، ولما تغلب موسى بن ابي العافية المكناسي على فاس وقتل الأدارسةاربعمائة بحومة وادي الشرفاء من عدوة فاس القرويين فرَّ من فلت منهم من القتل كمااشرنا قبل الى جهات عديدة من المغرب في الجبال والصحاري!!