ذكرى وفاة الشيخين محمد الشاذلي الطولقي القسنطيني ومحمد العزوزي حوحو العقبي القسنطيني
بقلم : عز الدين العقبي
في مثل هذه الأيام من سنة 1877م؛ توفي بقسنطينة القاضي الأديب: محمد بن عيسى الشاذلي البوزيدي الطولقي القسنطيني..
وبعده بـ 67 سنة؛ في نفس الشهر -سبتمبر- وفي نفس المكان؛ توفي الكاتب الأديب محمد العزوزي حوحو العقبي القسنطيني..
وعندما أردت أن أكتب عن ذكراهما.. قلت في نفسي لماذا أفرق بينهما؟ وقد جمع بينهما القدر.. فقد ولد في نفس الولاية -بسكرة- وتوفي في نفس المدينة -قسنطينة- وفي نفس الشهر -سبتمبر- وفي نفس الفترة –عهد الاستدمار- وقد كانا مقاومين لسياسة الاستدمار وعملائهم –كل بطريقته وإمكانيته- وأنا أدرك تماما أن سيرة الشيخ محمد الشاذلي خاصة تحتاج إلى تمحيص أكثر ففي طياتها غوامض ما زالت تثير بعض الاستفهامات؟؟ وأنا أدرك تماما أن استجلاء هذه الألغاز هو في صالح هذه الشخصية الفذة وليس ضدها.. والذي يفتح مجالا للاصطياد في المياه العكرة هو الغموض.. وهؤلاء شخصياتنا التي نعتز بها..
كما أن عدم اطلاع الكثيرين على شخصية الشيخ محمد العزوزي حوحو يوجب علينا التعريف به وحث الباحثين على العمل على الكشف عن شخصيته وكتاباته التي تظهر جليا قوة عبارته ونصاعة فكرته وعمق إيمانه..
محمد الشاذلي (1212-1295هـ/ 1797-1877م)
محمد بن عيسى الشاذلي البوزيدي القسنطيني: أول مدير عربي لمدرسة عربية فرنسية في عهد الاستدمار الفرنسي بقسنطينة، عالم جليل، وأديب مشهور، أصل عائلته من عرش البوازيد عرب الصحراء وأشرافها، المستقرين غرب مدينة طولقة، وهناك ولادته، واسم والده عيسى خلافا لما في تحفة الزائر من كون اسم أبيه (محمد).
استقر بمدينة قسنطينة قبيل الاحتلال الفرنسي للبلاد، وعندما كان بصدد طلب العلم، جاء إلى قسنطينة، وبعد إقامته مدة بها، توجه إلى ناحية أولاد يعقوب من أرض فرجيوة التابعة لفج مزالة عند بعض أقاربه هناك، ثم عاد إلى قسنطينة وقرأ بها في جامع رجب باي برحبة الصوف، على الشيخ السعيد بن طبال، قرأ عليه الفقه، وقرأ اللغة والأدب على الشيخ أحمد العباسي قاضي المالكية، وسكن دارا لبعض أقاربه من البوازيد في حي السويقة بجوار الجامع الكبير بقسنطينة.
وفي أيام محاصرة الفرنسيين لقسنطينة، التحق الشيخ الشاذلي بأهله في الصحراء، ومكث بها سبعة أعوام، وفي عام 1260هـ/ 1844م، عاد إلى قسنطينة وواصل بها حياته وأعماله العلمية، إلى أن سمي قاضيا مالكيا بها بتقرير من القبطان بواسوني المكلف بالشؤون العربية، وبقي قاضيا بها نحو العشرين سنة، وكان لأحكامه الصدى البعيد حتى لدى الدوائر القضائية العليا بالجزائر.
ومن أعضاء مجلس حكمه يومئذ كل من الشيخين: المكي بن باديس (جد الشيخ عبد الحميد)، والشيخ محمد بن عزوز، وقد تولى كل منهما منصب القضاء فيما بعد بمدينة قسنطينة.
سافر الشيخ محمد الشاذلي عدة مرات إلى فرنسا، وكانت الحكومة الفرنسية أوفدته في إحدى سفراته لمؤانسة الأمير عبد القادر أيام إقامة هذا الأخير بفرنسا. وكانت بينهما مذاكرات علمية ومساجلات أدبية..
وبعد رجوع الشيخ الشاذلي من فرنسا، استأنف حياته العلمية بقسنطينة، وأسندت إليه إدارة المدرسة العربية الفرنسية التي أنشأتها الحكومة العسكرية بتخريج طائفة من الموظفين العرب الذين يتولون وظائف التدريس والقضاء والترجمة.
قال الصيد رحمه الله: وبقي الشيخ مديرا لهذه المدرسة مدة سبعة وعشرين عاما. فقد توفي بقسنطينة عام 1295هـ/ الموافق ليوم 22 سبتمبر من سنة 1877م وعمره نحو 80 سنة وخلفه في إدارة المدرسة ابنه محمود الذي كان قاضيا بسطيف، وللشيخ محمد الشاذلي ابن ثان اسمه محمد، كان إماما بثانوية المدينة، وله عقب بها إلى الآن، وآخرهم موتا بها هو صديقنا المرحوم الشاذلي البدوي بن محمد الذي توفي ليلة الأربعاء فاتح رمضان 1394هـ/ 18 سبتمبر 1974م، وقد صرح شغيب بأنه أعاره الوثائق المحررة بخط يد عمه محمود الشاذلي والخاصة بترجمة جده وتاريخ وفاته، ومعلومات عن المدرسة التي كان يديرها وشيوخها وأطوارها..
قال الحفناوي: "الشيخ سيدي محمد الشاذلي هو العلامة الفرد نقلا وعقلا جامع أشتات مضائق الفنون متضلع من كافتها كثير الاطلاع حاد الفكر قوي العارضة له أشعار رقيقة تولى القضاء ثم أسندت لعهدته نظارة المدرسة الكتانية أما استقاؤه العلوم فكان من لدن علامتي وقتها الشيخ مصطفى باش تارزي والشيخ العباسي ولازمهما حتى نبغ في فنون الآداب وكانت له قدم راسخة فيها وحسبه تلك الأشعار التي ساجل بها الأمير عبد القادر الجزائري في حال اجتماعهما بعاصمة باريس.. وكانت له قوة ذكاء مفرط يتحدث بها العامة والخاصة وله عدة قصائد في مواضيع جمة..
مراجع: هناك مراجع عديدة منها ولعلها أهمها:
تاريخ قسنطينة لابن المبارك 6 هـ: ويسميه محمد بن عيسى، 12، تعريف الخلف 2/386، أم الحواضر 292، 296
****
محمد العزوزي حوحو (1321 - 1362 هـ/1904 - 1944 م)
محمد العزوزي بن الصادق حوحو أديب وكاتب ومصلح، ولد ببلدة سيدي عقبة في: 7/9/1904م، وتعلم بها، تلقى العلم ومبادئ الإسلام الصحيحة عن مشايخ بلدته سيدي عقبة خاصة عن أبيه الصادق حوحو العقبي الذي تولى القضاء، ثم واصل تعلّمه بقسنطينة على الإمام عبد الحميد بن باديس. ثم رحل إلى تونس حيث درس بالزيتونة، كان ذا نزعة إصلاحية واضحة متأثرا بالشيخين ابن باديس والعقبي، وصفه الأستاذ أحمد توفيق المدني في القسم الثاني من مذكراته، ص 100: بأنه كاتب ومفكر في قوله: "والكاتبين المفكرين إسماعيل بن المكي ومحمد العزوزي حوحو".
امتاز بالثورة على الأوضاع المتردية التي كانت سائدة في عصره فجادت قريحته بمجموعة من المقالات التي تنتقد هذه الظروف على جميع الأصعدة، فاحتضنته العديد من الصحف العربية الصادرة آنذاك، كما اعتاد إمضاء المقالات باسمه أو بأسماء مستعارة كـ(جساس) وصفه الدكتور محمد ناصر بالشاب المفكر والكاتب الجريء، توفي رحمه الله بقسنطينة في 18 أو 28 سبتمبر 1944م.
قال الشيخ حماني رحمه الله: "هو الأستاذ محمد العزوزي حوحو، وهو أديب كريم من آل حوحو العقبيين، وهو والد وزيرنا للصحة اليوم، ومن تلاميذ الشهاب ومدرسته، وهو أديب متأنق في أسلوبه، متين اللغة، فصيح العبارة، لم يرو له كثير لأن المنية اختطفته وهو ما يزال في عز شبابه، ولعل له آثارا أخرى، لم تنشر، فحبذا لو عمل نجله على نشرها فيسدي للأدب العرب الجزائري الحديث خدمة جليلة.
يعد الشيخ محمد العزوزي حوحو، من الذين أثروا الصحافة العربية الجزائرية بمقالاته النثرية التي كانت تزدان بها (المنتقد، صدى الصحراء، البرق والشهاب ومجلة ...).
كان ينشر مقالاته في جرائد وقته كجريدة صدى الصحراء والمنتقد والشهاب، والبرق، قال عنه أحمد حماني: "وهو أديب متأنق في أسلوبه، متين اللغة، فصيح العبارة".
وكانت هذه الكتابات تصب في الفكر الإصلاحي المتنور الذي قادته جمعية العلماء المسلمين. وقد نقل الأستاذ المرحوم سليمان الصيد نماذج من هذه المقالات الجادة، والتي نقتطف منها هذا الجزء "نشر مقالا في جريدة البرق للزاهري، عدد 11 بتاريخ 16 ماي 1927م بعنوان (ها هي أقلامنا وها نحن حاضرون) بقلم الكاتب الجريء –محمد فاتح حوحو- وهي أول مقالة هجومية وقد علقت جريدة البرق على هذا المقال بقولها "أشاع المغرضون، أن محمد الفاتح حوحو هذا قد منعه أبوه الماجد الشيخ الصادق حوحو من الكتابة والتفكير بتاتا فعزم المصلحون على مكاتبته في ذلك وعلى أن يعينوا مكانه واحدا من رجال القلم العمودي أو الزاهري أو الميلي على فرض أن يصح ما يشاع عن حوحو حتى جاءنا هذا المقال –تضيف البرق- الذي سيكون شديد الوقع على أهل الطرق الخرافيين.
استهل الكاتب هذا المقال بقوله: كثيرا ما هم سكوتي إخواني المصلحين وزاد في اهتمامهم إشاعة بعض الذين لا يتحرجون من الكذب أن من لا تسعني مخالفته –إشارة إلى والده- قد نهاني عن الكتابة في الجرائد والحقيقة أني سكت لا طاعة لأمره ولا عن حين كان سكوتي ولكن عن قلة اكتراث ومن يكترث بجهلة يكتبون وأميين يعلمون الدين سكت لأن المقام لا يستدعي السكوت وأي في غير السكوت وشوكة الضالين منكسرة وصحيفة الخاملين أعداء اللغة والدين منبوذة نبذ العراء.. وزمرة الطرقيين مرموقة بعين الازدراء، أما الآن فقد أنشئت صحيفة أخرى وتدلى إلى حركة التحرير بها قوم آخرون، فها هي أقلامنا وها نحن حاضرون الآن..).
يقول بمناسبة محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس من طرف الطريقة العليوية: "سمعنا بالجمل استنوق، وبالبغاث استنسر، وباستحالة الإناث إلى ذكور، ولكن ما سمعنا وما كنا نظن أن جماعة اللحى والقصع الثريدية؛ أرباب الأحوال والنيات.. رجال الرقصات والشطحات.. الزاهدين القانعين يزهقون أرواح الذين يقفون عثرة في سبيل معايشهم..
بالأمس صرع النديم والأمس ضرب صاحب النجاح، واليوم يقع السطو على الأستاذ عبد الحميد بن باديس. لأنهم انتقدوا سلوك الطرق والطرقيين من نهب وسلب ودجل وضلالة وتضليل.
أعجوبة –وسيدي المربي- لا أعجب منها لانقياد هاته الأمة ولا انقياد الأعمى للبصير واستسلامها ولا استسلام المستضعفين لهؤلاء اللصوص المجرمين.. وأولياء الشياطين المفسدين..
مهلا رويدا شيخ المجرمين. إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا. أرسلت منومك ليقضي على أستاذ المصلحين قضاء مبرما فتستريح من مر الانتقاد ويخلو لك الجو فتبيض وتفرخ وتصفر وتنفر آمنا مطمئنا.
أرسلته وأوصيته بأن يشمر الذيل، ويدر الليل، ولكنه لم يحفظ تعاليمك.. ولم تنفعه بركاتك من بعيد؟ فأخفق في مسعاه جالبا عليك سبة الأبد، وعارا لا يمحى دهر الداهرين.. فتقلدها طوق الحمامة يا أيها المجرم الأفاك الأثيم.
كما كتب بجريدة المنتقد للشيخ ابن باديس بعض المقالات كمقال (كيف نعيش سعداء) في عددها 7 الصادر يوم الخميس 23 محرم 1344هـ الموافق 13 أوت 1925م ومقال (أصحافي؟ أم صوفي؟) في عددها 10 الصادر يوم الخميس 14 صفر 1344هـ الموافق 3 سبتمبر 1925م ومقال (هل نحن للمنتقد الحر واجدون؟) ضمن العدد 17 الصادر بتاريخ الخميس 03 ربيع الثاني 1344هـ الموافق 22 أكتوبر 1925م وهذا ضمن ركنه القار (حديث الخميس) وكتب بجريدة (صدى الصحراء) مقالا في ثلاث حلقات بعنوان (الانتقاد الحر) نشر في العدد 7 الصادر يوم 18 جانفي 1926م والعدد 10 بتاريخ 8 فيفري 1926م وفي العدد 12 بتاريخ 15 مارس 1926م، ومقال (ومجرمون أيضا) بأسبوعية الشهاب في عددها 82 الصادر يوم الخميس 30 رجب 1345هـ الموافق 3 فيفري 1927م، ويمكن أن يكون قد كتب في صحف أخرى غير جريدة الشهاب والبرق وصدى الصحراء والمنتقد) لم نطلع عليها.
مراجع:
معجم أعلام بسكرة، صراع بين السنة والبدعة 2/52-53، سيدي عقبة تاريخ وحضارة ص 25، تاريخ الصحافة والصحفيين هامش ص 208-209، ص 208-210
بقلم : عز الدين العقبي
في مثل هذه الأيام من سنة 1877م؛ توفي بقسنطينة القاضي الأديب: محمد بن عيسى الشاذلي البوزيدي الطولقي القسنطيني..
وبعده بـ 67 سنة؛ في نفس الشهر -سبتمبر- وفي نفس المكان؛ توفي الكاتب الأديب محمد العزوزي حوحو العقبي القسنطيني..
وعندما أردت أن أكتب عن ذكراهما.. قلت في نفسي لماذا أفرق بينهما؟ وقد جمع بينهما القدر.. فقد ولد في نفس الولاية -بسكرة- وتوفي في نفس المدينة -قسنطينة- وفي نفس الشهر -سبتمبر- وفي نفس الفترة –عهد الاستدمار- وقد كانا مقاومين لسياسة الاستدمار وعملائهم –كل بطريقته وإمكانيته- وأنا أدرك تماما أن سيرة الشيخ محمد الشاذلي خاصة تحتاج إلى تمحيص أكثر ففي طياتها غوامض ما زالت تثير بعض الاستفهامات؟؟ وأنا أدرك تماما أن استجلاء هذه الألغاز هو في صالح هذه الشخصية الفذة وليس ضدها.. والذي يفتح مجالا للاصطياد في المياه العكرة هو الغموض.. وهؤلاء شخصياتنا التي نعتز بها..
كما أن عدم اطلاع الكثيرين على شخصية الشيخ محمد العزوزي حوحو يوجب علينا التعريف به وحث الباحثين على العمل على الكشف عن شخصيته وكتاباته التي تظهر جليا قوة عبارته ونصاعة فكرته وعمق إيمانه..
محمد الشاذلي (1212-1295هـ/ 1797-1877م)
محمد بن عيسى الشاذلي البوزيدي القسنطيني: أول مدير عربي لمدرسة عربية فرنسية في عهد الاستدمار الفرنسي بقسنطينة، عالم جليل، وأديب مشهور، أصل عائلته من عرش البوازيد عرب الصحراء وأشرافها، المستقرين غرب مدينة طولقة، وهناك ولادته، واسم والده عيسى خلافا لما في تحفة الزائر من كون اسم أبيه (محمد).
استقر بمدينة قسنطينة قبيل الاحتلال الفرنسي للبلاد، وعندما كان بصدد طلب العلم، جاء إلى قسنطينة، وبعد إقامته مدة بها، توجه إلى ناحية أولاد يعقوب من أرض فرجيوة التابعة لفج مزالة عند بعض أقاربه هناك، ثم عاد إلى قسنطينة وقرأ بها في جامع رجب باي برحبة الصوف، على الشيخ السعيد بن طبال، قرأ عليه الفقه، وقرأ اللغة والأدب على الشيخ أحمد العباسي قاضي المالكية، وسكن دارا لبعض أقاربه من البوازيد في حي السويقة بجوار الجامع الكبير بقسنطينة.
وفي أيام محاصرة الفرنسيين لقسنطينة، التحق الشيخ الشاذلي بأهله في الصحراء، ومكث بها سبعة أعوام، وفي عام 1260هـ/ 1844م، عاد إلى قسنطينة وواصل بها حياته وأعماله العلمية، إلى أن سمي قاضيا مالكيا بها بتقرير من القبطان بواسوني المكلف بالشؤون العربية، وبقي قاضيا بها نحو العشرين سنة، وكان لأحكامه الصدى البعيد حتى لدى الدوائر القضائية العليا بالجزائر.
ومن أعضاء مجلس حكمه يومئذ كل من الشيخين: المكي بن باديس (جد الشيخ عبد الحميد)، والشيخ محمد بن عزوز، وقد تولى كل منهما منصب القضاء فيما بعد بمدينة قسنطينة.
سافر الشيخ محمد الشاذلي عدة مرات إلى فرنسا، وكانت الحكومة الفرنسية أوفدته في إحدى سفراته لمؤانسة الأمير عبد القادر أيام إقامة هذا الأخير بفرنسا. وكانت بينهما مذاكرات علمية ومساجلات أدبية..
وبعد رجوع الشيخ الشاذلي من فرنسا، استأنف حياته العلمية بقسنطينة، وأسندت إليه إدارة المدرسة العربية الفرنسية التي أنشأتها الحكومة العسكرية بتخريج طائفة من الموظفين العرب الذين يتولون وظائف التدريس والقضاء والترجمة.
قال الصيد رحمه الله: وبقي الشيخ مديرا لهذه المدرسة مدة سبعة وعشرين عاما. فقد توفي بقسنطينة عام 1295هـ/ الموافق ليوم 22 سبتمبر من سنة 1877م وعمره نحو 80 سنة وخلفه في إدارة المدرسة ابنه محمود الذي كان قاضيا بسطيف، وللشيخ محمد الشاذلي ابن ثان اسمه محمد، كان إماما بثانوية المدينة، وله عقب بها إلى الآن، وآخرهم موتا بها هو صديقنا المرحوم الشاذلي البدوي بن محمد الذي توفي ليلة الأربعاء فاتح رمضان 1394هـ/ 18 سبتمبر 1974م، وقد صرح شغيب بأنه أعاره الوثائق المحررة بخط يد عمه محمود الشاذلي والخاصة بترجمة جده وتاريخ وفاته، ومعلومات عن المدرسة التي كان يديرها وشيوخها وأطوارها..
قال الحفناوي: "الشيخ سيدي محمد الشاذلي هو العلامة الفرد نقلا وعقلا جامع أشتات مضائق الفنون متضلع من كافتها كثير الاطلاع حاد الفكر قوي العارضة له أشعار رقيقة تولى القضاء ثم أسندت لعهدته نظارة المدرسة الكتانية أما استقاؤه العلوم فكان من لدن علامتي وقتها الشيخ مصطفى باش تارزي والشيخ العباسي ولازمهما حتى نبغ في فنون الآداب وكانت له قدم راسخة فيها وحسبه تلك الأشعار التي ساجل بها الأمير عبد القادر الجزائري في حال اجتماعهما بعاصمة باريس.. وكانت له قوة ذكاء مفرط يتحدث بها العامة والخاصة وله عدة قصائد في مواضيع جمة..
مراجع: هناك مراجع عديدة منها ولعلها أهمها:
تاريخ قسنطينة لابن المبارك 6 هـ: ويسميه محمد بن عيسى، 12، تعريف الخلف 2/386، أم الحواضر 292، 296
****
محمد العزوزي حوحو (1321 - 1362 هـ/1904 - 1944 م)
محمد العزوزي بن الصادق حوحو أديب وكاتب ومصلح، ولد ببلدة سيدي عقبة في: 7/9/1904م، وتعلم بها، تلقى العلم ومبادئ الإسلام الصحيحة عن مشايخ بلدته سيدي عقبة خاصة عن أبيه الصادق حوحو العقبي الذي تولى القضاء، ثم واصل تعلّمه بقسنطينة على الإمام عبد الحميد بن باديس. ثم رحل إلى تونس حيث درس بالزيتونة، كان ذا نزعة إصلاحية واضحة متأثرا بالشيخين ابن باديس والعقبي، وصفه الأستاذ أحمد توفيق المدني في القسم الثاني من مذكراته، ص 100: بأنه كاتب ومفكر في قوله: "والكاتبين المفكرين إسماعيل بن المكي ومحمد العزوزي حوحو".
امتاز بالثورة على الأوضاع المتردية التي كانت سائدة في عصره فجادت قريحته بمجموعة من المقالات التي تنتقد هذه الظروف على جميع الأصعدة، فاحتضنته العديد من الصحف العربية الصادرة آنذاك، كما اعتاد إمضاء المقالات باسمه أو بأسماء مستعارة كـ(جساس) وصفه الدكتور محمد ناصر بالشاب المفكر والكاتب الجريء، توفي رحمه الله بقسنطينة في 18 أو 28 سبتمبر 1944م.
قال الشيخ حماني رحمه الله: "هو الأستاذ محمد العزوزي حوحو، وهو أديب كريم من آل حوحو العقبيين، وهو والد وزيرنا للصحة اليوم، ومن تلاميذ الشهاب ومدرسته، وهو أديب متأنق في أسلوبه، متين اللغة، فصيح العبارة، لم يرو له كثير لأن المنية اختطفته وهو ما يزال في عز شبابه، ولعل له آثارا أخرى، لم تنشر، فحبذا لو عمل نجله على نشرها فيسدي للأدب العرب الجزائري الحديث خدمة جليلة.
يعد الشيخ محمد العزوزي حوحو، من الذين أثروا الصحافة العربية الجزائرية بمقالاته النثرية التي كانت تزدان بها (المنتقد، صدى الصحراء، البرق والشهاب ومجلة ...).
كان ينشر مقالاته في جرائد وقته كجريدة صدى الصحراء والمنتقد والشهاب، والبرق، قال عنه أحمد حماني: "وهو أديب متأنق في أسلوبه، متين اللغة، فصيح العبارة".
وكانت هذه الكتابات تصب في الفكر الإصلاحي المتنور الذي قادته جمعية العلماء المسلمين. وقد نقل الأستاذ المرحوم سليمان الصيد نماذج من هذه المقالات الجادة، والتي نقتطف منها هذا الجزء "نشر مقالا في جريدة البرق للزاهري، عدد 11 بتاريخ 16 ماي 1927م بعنوان (ها هي أقلامنا وها نحن حاضرون) بقلم الكاتب الجريء –محمد فاتح حوحو- وهي أول مقالة هجومية وقد علقت جريدة البرق على هذا المقال بقولها "أشاع المغرضون، أن محمد الفاتح حوحو هذا قد منعه أبوه الماجد الشيخ الصادق حوحو من الكتابة والتفكير بتاتا فعزم المصلحون على مكاتبته في ذلك وعلى أن يعينوا مكانه واحدا من رجال القلم العمودي أو الزاهري أو الميلي على فرض أن يصح ما يشاع عن حوحو حتى جاءنا هذا المقال –تضيف البرق- الذي سيكون شديد الوقع على أهل الطرق الخرافيين.
استهل الكاتب هذا المقال بقوله: كثيرا ما هم سكوتي إخواني المصلحين وزاد في اهتمامهم إشاعة بعض الذين لا يتحرجون من الكذب أن من لا تسعني مخالفته –إشارة إلى والده- قد نهاني عن الكتابة في الجرائد والحقيقة أني سكت لا طاعة لأمره ولا عن حين كان سكوتي ولكن عن قلة اكتراث ومن يكترث بجهلة يكتبون وأميين يعلمون الدين سكت لأن المقام لا يستدعي السكوت وأي في غير السكوت وشوكة الضالين منكسرة وصحيفة الخاملين أعداء اللغة والدين منبوذة نبذ العراء.. وزمرة الطرقيين مرموقة بعين الازدراء، أما الآن فقد أنشئت صحيفة أخرى وتدلى إلى حركة التحرير بها قوم آخرون، فها هي أقلامنا وها نحن حاضرون الآن..).
يقول بمناسبة محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس من طرف الطريقة العليوية: "سمعنا بالجمل استنوق، وبالبغاث استنسر، وباستحالة الإناث إلى ذكور، ولكن ما سمعنا وما كنا نظن أن جماعة اللحى والقصع الثريدية؛ أرباب الأحوال والنيات.. رجال الرقصات والشطحات.. الزاهدين القانعين يزهقون أرواح الذين يقفون عثرة في سبيل معايشهم..
بالأمس صرع النديم والأمس ضرب صاحب النجاح، واليوم يقع السطو على الأستاذ عبد الحميد بن باديس. لأنهم انتقدوا سلوك الطرق والطرقيين من نهب وسلب ودجل وضلالة وتضليل.
أعجوبة –وسيدي المربي- لا أعجب منها لانقياد هاته الأمة ولا انقياد الأعمى للبصير واستسلامها ولا استسلام المستضعفين لهؤلاء اللصوص المجرمين.. وأولياء الشياطين المفسدين..
مهلا رويدا شيخ المجرمين. إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا. أرسلت منومك ليقضي على أستاذ المصلحين قضاء مبرما فتستريح من مر الانتقاد ويخلو لك الجو فتبيض وتفرخ وتصفر وتنفر آمنا مطمئنا.
أرسلته وأوصيته بأن يشمر الذيل، ويدر الليل، ولكنه لم يحفظ تعاليمك.. ولم تنفعه بركاتك من بعيد؟ فأخفق في مسعاه جالبا عليك سبة الأبد، وعارا لا يمحى دهر الداهرين.. فتقلدها طوق الحمامة يا أيها المجرم الأفاك الأثيم.
كما كتب بجريدة المنتقد للشيخ ابن باديس بعض المقالات كمقال (كيف نعيش سعداء) في عددها 7 الصادر يوم الخميس 23 محرم 1344هـ الموافق 13 أوت 1925م ومقال (أصحافي؟ أم صوفي؟) في عددها 10 الصادر يوم الخميس 14 صفر 1344هـ الموافق 3 سبتمبر 1925م ومقال (هل نحن للمنتقد الحر واجدون؟) ضمن العدد 17 الصادر بتاريخ الخميس 03 ربيع الثاني 1344هـ الموافق 22 أكتوبر 1925م وهذا ضمن ركنه القار (حديث الخميس) وكتب بجريدة (صدى الصحراء) مقالا في ثلاث حلقات بعنوان (الانتقاد الحر) نشر في العدد 7 الصادر يوم 18 جانفي 1926م والعدد 10 بتاريخ 8 فيفري 1926م وفي العدد 12 بتاريخ 15 مارس 1926م، ومقال (ومجرمون أيضا) بأسبوعية الشهاب في عددها 82 الصادر يوم الخميس 30 رجب 1345هـ الموافق 3 فيفري 1927م، ويمكن أن يكون قد كتب في صحف أخرى غير جريدة الشهاب والبرق وصدى الصحراء والمنتقد) لم نطلع عليها.
مراجع:
معجم أعلام بسكرة، صراع بين السنة والبدعة 2/52-53، سيدي عقبة تاريخ وحضارة ص 25، تاريخ الصحافة والصحفيين هامش ص 208-209، ص 208-210