حوالي 20 ألف جزائري قاوم أجدادهم الاستعمار الفرنسي يتشوّقون للوطن الأم
من كاليدونيا إلى بسكرة.. قصة البحث عن الجذور والهوية
الخميس 10 أكتوبر 2013 بسكرة: فكرون لزهر
جزائريون التقت بهم “الخبر”، خلال زيارتهم لمسقط رأس أجدادهم في مدينة الدوسن في ولاية بسكرة، بعد تهجير قسري، من أرضهم إلى أرض تبعد
عنها بآلاف الأميال، لا لشيء سوى لأنهم ثاروا ضد ظلم المحتل وجبروت المستوطنين الذين انتشلوهم من شوارع المدن الأوروبية.
يدرك جون مارسال باريتو المدعو عبد الله المقيم في كاليدونيا الجديدة المعروفة باسم “ كايان” أنه جزائري، أجداده من الذين وقفوا في وجه فرنسا الاستعمارية وعاقبتهم بالنفي إلى هذه البقاع البعيدة جدا ولأنه لا يمكن العيش بلا وطن وهوية كان لزاما على عبد الله أن يبحث عن جذوره، ودليله شهادة وفاة جده الحاج احمد بن سالم التي تؤشر أنه من مواليد ولاية بسكرة. “الخبر” اقتفت أثر هذه القصة وهذا الملف المأساة والمصنف في خانة المسكوت عنه والتقت من كان سببا في عودة هذا المواطن الجزائري إلى أرضه.
يذكر الإعلامي الجزائري عبد القادر مام صاحب مؤسسة الحقائق للإعلام الذي سافر إلى كاليدونيا وأنجز فيلما وثائقيا “كاليدونيا ..مظلمة النفي” الذي كان دليلنا للنبش في هذا الملف، أن كل من يزور هذه البقعة يصادفه أناس جزائريون من مختلف ولايات الوطن يطلبون مساعدتهم على معرفة جذورهم وهويتهم. وفي رحلة تصويره، اكتشف عمق المعاناة التي يتجرّعها أحفاد الجزائريين الذين هجّر أباؤهم قسرا، فيصلح عليهم القول، من المقاومة إلى المقاومة، أجدادهم قاوموا الاستعمار فعاقبتهم فرنسا بالنفي وأحفادهم اليوم يقاومون من أجل استعادة الهوية بكل مقوماتها كاللغة والدين.
وعن رحلته، يقول محدّثنا أنه وجد مجموعة منظمة مهيكلة في جمعية الجزائريين المغاربة في كاليدونيا الجديدة، يرأسها الشيخ عبد القادر بوفناش التي تأسست من أجل الدفاع عن الهوية المسلوبة، خاصة الدين الإسلامي، حيث لوحظ عليهم تمسّكهم بعاداتهم وتقاليدهم وإحياء الأعياد الدينية كعيدي الفطر وعيد الأضحى والصوم والصلاة والعيش في مجتمع تسوده الخصوصية الإسلامية. والملفت برأيه أن البعض تمكّن من اكتشاف أصله ونسبه، حيث يعلمك أنه من قسنطينة أو الأغواط أوالقبائل وغيرها، مقابل ذلك، هناك من لم يصل إلى هذا المبتغى. ومن هؤلاء يقول محدثنا رجل مؤذّن كلّفهم بمساعدته، مستندا على شهادة وفاة جده الحاج احمد بن سالم في 5 فيفري 1905 والمولود ببسكرة، لتنطلق رحلة البحث وتم الاستنجاد بكبار عرش البوازيد المتمركزين ببلديات الدوسن وفوغالة ولغروس، من بينهم بن عطية مبروك بن المسعود، انطلاقا من أن فرنسا الاستعمارية هجّرت المئات من أهل هذه المنطقة بعد وقوع ثورة العامري سنة 1876.
ولأن عبد الله متمسك بوطنه الجزائر، فقد كانت له محاولات تعارف عبر وسائل الاتصال الالكترونية، فقادته الظروف إلى التعرف على فتاة من قسنطينة سنة 2008 لكن بسبب تعقيدات الوثائق بحكم أنه من كاليدونيا التي تخضع للسيطرة الفرنسية وافتقاره لما يثبت أنه جزائري، فقد تعطل زواجهما وبعدما لاحت بشائر الخير التي تفيد أن أجداده من منطقة الدوسن، حلّ بقسنطينة وتنقّل رفقة عائلة خطيبته، وكان اللقاء ببلدية لغروس على طاولة مزيّنة بأكلة الشخشوخة.
وهنا التقى عبد الله بأهل عشيرته من البوازيد وأقاربه الذين يحملون لقب سالم في صورة مؤثرة جدا قال فيها عبد الله أنه فرح جدا لأنه بين عائلته وتحقق حلمه وأنه لم يكن يتصور هذا المشهد. وأشار أن معرفة أجداده ستمكّنه من إثبات جنسيته الجزائرية الأصلية واستخراج الوثائق الثبوتية التي تؤكد انتماءه للجزائر.
وخلال هذا اللقاء الحميمي المفعم بالمشاعر، أكد صهره لعور عبد الله أنه بعد التعارف أبدى عبد الله رغبته في الزواج من ابنته وحل رفقة والده، حيث قال أن ابنه يرغب في الزواج من الجزائر، فكان الشرط، يقول محدّثنا، أن يتم الزواج على الطريقة الإسلامية، فاعتنق عبد الله الإسلام في مسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة، إلا أنه منذ سنة 2008 وهو ينتظر إتمام الوثائق التي تسمح له بعقد قرانه.
ثورة العامري كانت السبب
يؤكد مبروك بن عطية بن المسعود، أحد كبار عرش البوازيد، الذي كان حاضرا في هذه الجلسة، أنه اكتشف جذور هذه العائلة بعدما كلّفه الإعلامي عبد القادر مام بهذه المهمة، فتصفح عقد الوفاة الخاص بالسيد الحاج بن أحمد بن سالم وأمه نوة بن سالم المولودة بالعامري سنة 1833 والمتوفى بكاليدونيا في عام 1905.
ويؤكد الحاج بن عطية أن هذه القصة بدأت خيوطها الأولى عندما تمكنت القوات الفرنسية من السيطرة على المنطقة في ثورة العامري الشهيرة التي قادها عرش البوازيد الذين تصدوا للقوات الفرنسية في 29 أفريل 1876 ووقعوا في الأسر. وأضاف أن العدو الفرنسي صادر الأراضي والأملاك وعاقب كل من له علاقة بهذه الانتفاضة، فالذين لا ينتمون إلى عرش البوازيد قتلوا جميعا. أما من ينتمي الى البوازيد فتمت إبادة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و50 سنة، أما أقل من 18 سنة وأكبر من 50 سنة، فتم نفيهم. وفي هذا السياق، يقول محدثنا أن فرقة أولاد سعود هاجرت نحو منطقة بلزمة بباتنة والكوينين بالوادي، الجبابرة نحو تيارت، أولاد أيوب إلى تبسة وأولاد إدريس نحو المسيلة وسور الغزلان. أما قيادات فرق هذا العرش فنفوا إلى “كايان” أي كاليدونيا. ومن بين هؤلاء مبروك بن بريكة الذي استقر بتونس، حيث يشير الشيخ بن عطية إلى أن هذا الشخص كان يعمل في دار حاكم كاليدونيا فوقع حريق مهول في بيته فخاطر بحياته وأنقذ رضيعا كان وسط النيران. ولم تجد والدة الطفل سوى مكافأته بالسماح له بالمغادرة، فأتيحت له فرصة مرافقة حجيج أستراليا، وفي مكة المكرمة وجد الجزائريين وعاد معهم، لكن عندما وصل الحدود التونسية الجزائرية رفض الدخول خشية أن تعدمه فرنسا. وفي رواية أخرى تقول أن بن بريكة صنع قاربا وركبه واستقرّ به في أرض الحجاز وهناك التقى بالحجيج.
مطلوب مبادرات من الوطن الأم
يكشف الأستاذ الباحث مصطفى كمال تاوتي المتقاعد من الخطوط الجوية الجزائرية، الذي التقيناه هو الآخر في هذه الجلسة، العديد من جوانب ملف المنفيين في كاليدونيا الذين يقدّر عددهم بأكثر من 20 ألف شخص لازالوا يحترقون شوقا لرؤية الوطن الأم ويرغبون في أن تبادر الدولة بمساع تربطهم بوطنهم كرد للجميل على التضحية التي قدمها أباؤهم، وذلك عن طريق إنشاء دار كاليدونيا الجزائر تعنى بهذا الملف. وبخصوص معرفته بهؤلاء المنفيين، يقول محدثنا أن والده الراحل الصديق التاوتي الذي كان يعمل في البنك الإسلامي مكلف بالأقلية الإسلامية في العالم، طرح عليه في المؤتمر الإسلامي بكوالالمبور بماليزيا موضوع اللاجئين السياسيين في كمبوديا، حيث يوجد 900 ألف مسلم من “التشامبا” الذين تعرضوا ما بين سنوات 1975 و1979 للإبادة الجماعية من طرف السفاح بول بوت ولم يبق منهم سوى نحو 150 ألف. محدّثنا قال أن والده وثّقها في موسوعة سبوزيطو في نيويورك باللغة الانجليزية في صفحة تضمنت 730 كلمة. وفي المؤتمر المذكور الذي انعقد سنة 1981 وأشرف عليه رئيس حكومة النيجر الأسبق حامد الغابد، تحدّث فضل الله فيلموت الاسترالي المسلم للدكتور تاوتي وقال له “إنك تساعد جماعة كمبوديا فلماذا لا تساعدنا نحن جماعة المحيط الهادي حيث يوجد 280 ألف مسلم يحتاجون إلى المساعدة “ فوقع الاتصال مع جماعة من كاليدونيا بواسطة رسالة من جمعية العرب وأصدقاء العرب، وفي هذا الصدد يقول محدثنا أن والده كلّف العراقي مهدي صالح السامرائي بزيارتهم وقدم له دعوة وفي 1982 زارهم الدكتور الصديق التاوتي والتقى عنصرين من الجمعية، الرئيس بوفناش كادار وبن أحمد لوسيان المدعو لولو وسمحت زياراته المتكررة بإعادة تنظيم وهيكلة نحو 150 شخص وأثمرت مساعيهم ببناء مركزين ثقافيين مزوّدين بالعديد من المرافق كالمكتبة والمسجد أحدهما في العاصمة نوميا والآخر في نيصاديو وأحد هذه المراكز يحمل اسم المرحوم الصديق تاوتي تقديرا للمجهودات التي بذلها. والملاحظ أن الابن سار على نفس خطى والده وزار هو الآخر كاليدونيا ورافقته والدته ويؤكد أن التقديرات تشير إلى أن عدد الجزائريين كان في سنة 2000 نحو 15 ألف والآن يفوق عددهم 20 ألف والحل برأيه هو إنشاء هيئة أو”دار الجزائر كاليدونيا” حيث تتكفل بإجراءات البحث عن جذور هذه الفئة في مختلف ولايات الوطن ومساعدتهم في الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجزائر التي يتحصلون عليها الآن من باريس وبطرق معقّدة ومكلّفة.
- See more at:
http://www.elkhabar.com/ar/nas/359796.html#.Ulgn52fd8aE.facebook