المبحث الأول :أصل البوازيد
يعود أصل البوازيد. إلى الولي الصالح سيدي بوزيد بن علي بن مهدي بن صفوان بن مروان بن يسار بن موسى بن سليمان بن يحيى بن موسى بن عيسى بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن السبط بن الحسن المثنى بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت الرسول ¬_ صلى الله عليه وسلم _ .
ولد سيدي بوزيد بمكة المكرمة في بداية القرن الخامس (420هـ،1050م)،ومن صفاته أنه كان أشقر اللون، مقرون الحاجب، كثيف اللحية، له علامة في طرف جبهته ،وهو جرح أصابه به جواد من الخيل وهو في سن الثامنة عشر ،كما عاش من العمر ما قارب 163 سنة ،تلقى تعليمه الأول في مسقط رأسه ،حيث حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز من العمر 10سنوات ،كما درس الفقه والحديث وعلوم الشريعة، وتتلمذ على يد شيوخ أجلاء منهم أبو حامد الغزالي، سيدي ابن العربي،وغيرهم من العلماء.
وعندما بلغ من العمر أربعين سنة، عزم على الرحيل لزيارة ضريح إدريس الأكبر، في المغرب الأقصى، فاستغرقت رحلته نحو 40 سنة،وقد شهد له سكان المناطق التي حل بها بالعلم وسعة الرزق وحسن الأخلاق.
و بمدينة فاس، طاب له العيش فأستقر بها، إلى أن أصبح حاكما لها ،ولكن ومع مرور الوقت نشب نزاع بينه وبين أبناء عمه الأدارسة، فتنازل لهم عن الحكم ورحل هو وأفراد عائلته إلى جبل راشد بالمغرب ، و في سنة (510هـ، 1150م)،زار الجزائر، أين
استقر في منطقة "بجبل العمور"،حملت اسمه "قرية سيدي بوزيد "،كما يوجد بها ضريحه .
توفى في (580هـ،1210م)،خلف أربعة أولاد هم : عبد الله ،محمد، أحمد، علي .
عبد الله وذريته:
أولاد عبد الله هم جزء كبير من سكان القرية حيث ضريح سيدي بوزيد، والجزء الآخر توزعوا بين الهامل،و تاقين (قرب معسكر) ،أولاد سيدي العيد في فرندة، أولاد عبد المالك في ثنية الحد .
محمد وذريته:
أولاد سيدي محمد غادروا كلهم إلى المغرب ولم يبق أحد من ذريته في الجزائر، وهم الآن موزعون بين تازا والدار البيضاء ،حيث قرية بالقرب من هذه المدينة تحمل اسم سيدي بوزيد.
أحمد وذريته:
أولاد أحمد وهم موجودون كلهم في أقصى الشرق الجزائري حتى تونس، حيث تحمل ولاية تونسية اسم سيدي بوزيد. نبغ من أولاده وأسلافه كثير من العلماء والأولياء منهم:
• سيدي محمد بالقاسم الهاملي، وضريحه في بلدية الهامل بالقرب من بوسعادة.
• سيدي الحسين بن أحمد البوزيدي مدرس بالأزهر في مصر.
• سيدي محمد بوزيدي المستغانمي شيخ الطريقة الشاذلية الشهيرة.
• سيدي إبراهيم بن أحمد شيخ طريقة ومؤسس الزاوية القادرية في تونس .
• سيدي محمد البوزيدي المغربي شيخ الطريقة الدرقاوية.
• العالم الصوفي الكبير بن عجيبة المغربي، صاحب المؤلفات العديدة، من ضمنها: أيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لابن عط الله الإسكندري
• العلامة سيدي محمد الشاذلي القسنطيني وكان من الأصدقاء المقربين للأمير عبد القادر.
علي و ذريته:
وهم أولاد جلول، أولاد إدريس، أولاد أيوب، أولاد جعفر لجبابرة (المدعوون البوازيد الشراقة) وأولاد عيسى بالقبائل وهم ينتمون إلى الزاوية الرحمانية أولاد أسعود في البيض، أولاد صافي في سيدي بلعباس، بني سعد في تلمسان، أولاد بوزيد بن عبد الله في غيليزان.
وقد أشتهر عرش البوازيد عموما بالشجاعة والكرم وسعة العلم لقول الشاعر:
وحاصل الذكر أن البوازيد كلهم
فإما شجـاع بالسلاح مغمـد
وإما كريم الضيف للقرى
وإما مـلك سائس يتهــدد
وإما همام العصر سلطان قائد
وإما تقي بـلتقى يتعبــد
وإما ولى كامل يرشد الورى
إما عليـم للعلــوم مجـدد
وإما فتى حمل القرآن ربنا
وإما إمام خطيب مصهرد
و بوازيد منطقة الزاب ينتمون إلى الابن الرابع لسيدي بوزيد على بن سيدي بوزيد، و بسبب الاضطهاد الذي تعرض له هؤلاء البوازيد في الغرب من قبل أمراء تلمسان ،انسحبوا تباعا إلى جبل عمور ( عين الريش )،ثم إلى أولاد جلال وأخيرا استقروا في العامري .
كما أن بوازيد فوغالة، كانوا يتنقلون إلى سوق السبت الموجودة في طولقة، حيث كانوا يقصدونها لفرز التمور (دقلة نور) ،وتنقلاتهم كانت وما تتم في مجموعات .
وبعد استقرارهم في العامري، شرع البوازيد في تشييد المنازل وبعض المرافق المهمة كالمسجد القديم على سبيل المثال .كما أنهم كانوا يمتلكون ثروة هائلة، والمتمثلة في قطعان الماشية والتي كانت سببا في انتقالهم إلى التل في مواسم الحر .
وعن تاريخهم في المنطقة قبل الاحتلال الفرنسي ،فقد كانت منطقة لغروس في العهد التركي تحت قيادة البوزيدي (شيخ الغروس)،وذلك بعد منحه صالح باي الزميرلي البرنس الأزرق ،كدليل على تعينه شيخ العرب بالزاب الشرقي ،حيث كان هذا البرنس الأزرق اللون دليل على مرتبة المشيخة ،وكان هذا الشيخ تابع لأوامر القايد التركي الذي يلبس البرنس الأحمر . كما حرص البوازيد على تقديم لشيخ العرب 300 فارس تساعده في عملية استخلاص الضرائب من سكان الزاب .
وفي أواخر القرن17 وبداية القرن 18 قادة أم هاني التركية بنت رجب باي قسنطينة (ضرة جراحة بنت الشيخ الحداد والدة فرحات بن السعيد ) ، حركتها في منطقة الزاب ،فكان من أهم نتائجها انقسام قبائل الجنوب إلى قسمين حيث ضم:
القسم الأول: أهل بن علي، الشرفة، غمرة فامتنعوا عن تقديم الطاعة لشيخ العرب
إلا بقوة السلاح.
القسم الثاني : البوازيد ،أولاد زكري الذين قدموا لشيخ العرب الطاعة العمياء .
وبقى الولاء إلى غاية الاحتلال الفرنسي للزيبان 1844،
وفي هذه المرحلة لم يختلف الوضع كثيرا حيث ظل البوازيد أوفياء لشيخ العرب وحادثة مقتل فرحات بن السعيد على يد البوازيد 1842 اكبر دليل على ذلك .
۞ لمحة عامة عن واحة العامري
تقع واحة العامري في الجنوب الغربي لمدينة بسكرة، على بعد 50كلم تقريبا على مجرى مائي ينحدر من جبال أقسوم ويصب في وادي جدي ،و قد قامت هذه القرية على أنقاض قرية قديمة تدعى بيقو تقع على بعد 500 م شرق القرية الحالية، و قد زالت آثار هذه القرية و لم يبق من أثارها إلا القليل ∙
أما القرية الحديثة (العامري) ،فهي قرية بسيطة البناء مبنية من الأخشاب و الجريد، يتجاوز عدد دورها 300 دار يحيط بها سور حصين، مزود بمنافذ و أبراج لمراقبة محيطها، و لدفاع عنها ، يوجد بالقرية مدخلان (شرقي وغربي) و هما عبارة عن بابين يوصدان بعد صلاة العشاء ،و يفتحان مع طلوع الشمس،كما يوجد بها قصر العامري المكون من منازل متجاورة ∙
و قد كانت حياتها الاقتصادية جد مزدهرة، و ذلك بسبب وجود الكثير من المتاجر و دور الحرفيين ( صناع، حدادين... الخ).والمنطقة مشتهرة بصناعة الزرابي و البرانس، و صناعة السلاح كالحراب و الخناجر و كذلك صناعة البارود، كما كانت تقام بها سوق أسبوعية كل يوم جمعة ، و أهالي المنطقة يعتمدون في معيشتهم على غرس النخيل، و زراعة الحبوب و الخضر، و على رعي المواشي و الإبل و تربية الخيول خاصة عند البوازيد الرحل المنتشرين في ضواحي القرية.
أما فيما يخص الجانب الثقافي للواحة، فهو لا يقل نشاطا و ثراء عن الجانب الاقتصادي، فقرية العامري كثرت بها دور العلم خاصة المساجد و قد لعبت دورا فعالا في الحياة الثقافية بالمنطقة،فأصبحت مقصدا لكثير من العلماء في بلاد الجريد ونفطه ، كما اشتهر بها عدد من الأطباء العارفين بفن الطب .
۞ نبذة عن حياة الشيخ أمحمد يحيى
هو الشيخ أمحمد يحيى بن محمد بن الصغير بن عبد الله ،ولد سنة1841 ،و هو زعيم أولاد إدريس ، و هو فرع من أولاد بوزيد، و لا يعرف شيء عن حياته قبل أن يتزعم الثورة، سوى أنه كان من عائلة ميسورة الحال، و لديه القدر الكافي من العلم.
وبسبب ذكائه أصبح أمين وصاحب سر القائد، كما شغل منصب كاتب (خوجة) القايد بولخراص بن قانة و لعدة سنوات وهذا ما جعله يتزعم عرش أولاد إدريس، و قد تزعم الثورة و هو في سن الخامسة والثلاثين .
كما أنه عرف بالبطولة و حسن الخلق و الذكاء، و قد ساعده منصبه كثيرا على تقصي الأمور عن كثب و إدراك النوايا الحقيقية للعدو الفرنسي، فعارضها و تصدى لها، فطلب منه بولخراص الاستقالة من منصبه لشيخ أولاد إدريس،بتهمه كتابة شكاوي باسم الأهالي وإرسالها إلى قائد المنطقة ،ورغم تأكيد خبراء الخطوط على براءة أمحمد يحيى ،إلا أن بن قانة أصر على عزله من هذا المنصب ،وهذا ما زاد فيه رغبة في الانتقام والتحالف مع علي باي لأجل ذلك ما أنه ينحدر من أسرة عريقة نبغ منها أخوه مسعود الذي كان قاضيا ببسكرة.
المبحث الثاني : أسباب اندلاع ثورة واحة العامري
لا تختلف أسباب مقاومة سكان واحة العامري عن بقية أسباب المقاومات الأخرى، و ذلك بسبب الترابط و التقارب فيما بينها، و هذا يعود إلى تمحورها حول هدف واحد هو رفض التواجد الفرنسي و عدم الرضوخ لسياسته الجائرة المطبقة ضد كل القبائل.ومن الأسباب المهمة لاندلاع هذه الثورة نذكر :
1- يعتبر السبب الديني من بين أهم الأسباب لاندلاع الثورة ،حيث أن سكان الصحراء كانوا ينظرون للفرنسيين على أنهم كفار و من الواجب محاربتهم و هذا ما ولد كرها شديدا في أنفسهم حيث أنهم لم يكونوا يفوتون فرصة تسمح لهم بمهاجمه القوات العسكرية الفرنسية، هذا الكره الذي كان نتيجة ما عانوه من سياسة المطاردة و التشرد المفروضة عليهم خاصة أثناء حركة بوشوشة .
2- سعي أحمد بن عياش -رجل دين –في مارس 1876 إلى تحريض الأهالي للجهاد ضد الغزاة الفرنسيين و طردهم، حيث ذكرت صحيفة المبشر (Mobacher)عن تزعم ابن عياش لحركة التمرد والعصيان " أنه كثيرا ما يتضح بعد التحقيق أن إدعاءات ابن عياش كاذبة وهى بتالي من إيحاء أمحمد يحيى ... وابن عياش تمكن من أن يؤلب
الناس على الإدارة الأهلية المتمثلة في الأعوان "
كما بعث الحاكم العام شانزي( Chanzy) إلى الجنرال كارتيري( Carteret) برسالة في 01جانفي 1876 أبلغه فيها " إن الثورة التي حدثت بعدما عملت فرنسا على إحلال السلام في المنطقة ،ليس مردها إلى المرابط ابن عياش فحسب...ولكن هي نتيجة الصراعات والدسائس المتواجدة بين الأطراف المسيطرة في المنطقة " .
كما اقترح قائد الدائرة لبن قانة ˶بأن لا يعطي لهذا الدرويش أهمية مبالغ فيها ، لأن عملية عزله ستكون بشكل تدريجي، وذلك بالسماح إلى عشابة البوازيد بالتوجه نحو الشمال ،وإذا قام هذا الدرويش وهو مبتغانا بالسفر معهم فسوف تنخفض وتضيع هيبته يوما بعد يوم ،وسيصبح من السهل إلقاء القبض عيه عند مروره بباتنة إلى قسنطينة ،أما إذا قبل التعاون معنا فسنعيده كما كان من قبل مجرد معتوه˵ .
3- بعد تمكن القوات الفرنسية من القضاء على حركة بوشوشة ،حيث ظل هذا الأخير مسيطرا على الجنوب منذ 1872 إلى غاية إلقاء القبض عليه ،و إعدامه يوم 31 مارس 1874 ،في جويلية 1874 قام الحاكم العام بإعادة تنظيم إدارة المناطق الصحراوية ،وذلك بإسناد القيادة إلى ابن إدريس ،في محاولة منه لخلق التوازن بين الطرفين المتصارعين (بن قانة وعلي باي ) ، و هي نفس السياسة التي اتبعتها في المقاومات السابقة مثل : ثورة المقراني و الحداد 1871 .
كما أمر بمنح شيء من حرية التصرف لزعماء الأهالي ،وهذا لتجنب التدخل المباشر في شؤون المنطقة ،و اقتصر تدخل الضباط في حالة عجز رؤساء الأهالي عن حل الصراع ، إلا أن هذه السياسة لم تنجح لأن المكلفين بتطبيقها(من ضباط المكاتب العربية) كانوا يعملون على تجسيد سياسة الدس و الإيقاع بين العائلات خاصة بن قانة وأولاد بوعكاز . هذه الخصومات انعكست سلبا على أولاد بوزيد ،فأعلنوا الثورة ضد فرنسا بعد أن قاموا ضد الأمير عبد القادر و حلفائه .
وقد ذكر يحيى بوعزيز في كتابه الجزائر في القرنين 19 و 20 عن كتاب نشره أحد أفراد عائلة بن قانة في الصحافة الفرنسية حول اتهام علي باي زعيم بوعكاز في التسبب في إثارة بعض المشاكل، التي أدت إلى نشوب هذه الثورة و السبب في توجيه هذا الاتهام هو الإساءة إلى سمعة بوعكاز وإظهار عجزهم في الحكم، وقد سمحت هذه الإدعاءات والشكوك التي حاولت الصحافة الأوربية (Liberté) حبكها في محاولة لإظهار الدوافع الحقيقية لثورة البوازيد ،إلا أن هذه المحاولات وحسب رأي أجرون لم تخرج عن نطاق الوصف الخيالي واللامعقول، لينتهي مصير هذه المحاولات في المحاكم ،كما حدث لجريدة (Zéramma ).
ورغم كل ذلك فإن هناك بعض الجرائد التي استطاعت أن تعطي نظرة حقيقية لما يحدث، وذلك ما ذهبت إليه جريدة (Des Déats) التي نشرت مقال لـ Ismaël urbain حيث ذكر فيه " أن فكرة التعصب هي فكرة مستبعدة ،حيث اعتبره مبررا، لكنه لا يمكن له أن يرتقي إلى درجة السببية ،كما اعتبر أن التخطيط لثورة من طرف شخص واحد هو أمر مثير للشبهة ،وأعتبر أن التنافس القائم بين العائلات من أهم أسباب التوتر " .
4- أما شانزي فقد أرجع أسباب ثورة العامري إلى عمق الواقع اليومي لسكان الواحة ،كما أكد على أنها حركة معزولة "إن الحيرة الصامتة التي تعيشها العديد من القبائل مجسدة في سذاجة الالتفاف حول المعلومات الكاذبة والإشاعات الرائجة وإلى موقف بعض الطرق الدينية من كل ذلك ،كما أرجع هذه الأسباب وذلك في تصريح له في جوان 1876، حيث حذر وزير الداخلية من نشوب المزيد من الاضطرابات وذلك بسبب سوء تقدير القوة التي تتوفر عليها السلطة ،وإلى الصرامة المتزايدة للقمع المسلط على السكان، وقد شرح الجنرال ( Bressoles) ذلك بقوله :"أنه لا ينبغي أن نعجب من محاولة تعلق القبائل بأماني انتصار ثوار الجنوب ،فهذه الأماني نتيجة اضطرارها لتحمل أعباء الاستحواذ على أملاكها العقارية ،فهي تخشى وصول اليوم الذي ترغم فيه على مغادرة أراضيها ... و باختصار فإن موقف العسكر، هو الدسائس والصراعات التي تحرك الصفوف إليها لم تكن لتجد مكانا لها في أعماق القلوب لو لم تكن الثورة قد سكنتها من قبل " .
5- عمل الإدارة الفرنسية على رفع الضرائب و قد أوكلت مهمة تحصيلها إلى القايد بولخراص ،الذي كان متسلطا على السكان، إضافة إلى معاملته السيئة لهم ،وقد عبرت جريدة (La Vige Algérienne) عن ثقل هذه الضرائب الصادرة في 23 مارس1882 بمقال بعنوان صرخة إنذار (Cri Alarme) " لن نكون مبالغين إذا قلنا أنه لو طبق هذا الأسلوب الاستنزافي ،على بلد أوروبي ،ولو كان من أغنى البلدان ،فإن مرور سنوات قليلة يكفي لإحلال البؤس التام به" .
6- الكره و العداء الذي كان يكنه الشيخ أمحمد يحيى منذ 1875 للسلطات الاستعمارية و لأعوانها، و ذلك بعد مقتل أخيه الأكبر مسعود الذي كان قاضيا في مدينة بسكرة-في ظروف غامضة في منزل الوكيل بالقاسم بن خمار-و قد شاع بين الناس أن القائد محمد الصغير بن قانة هو من أمر بدس السم له، كما تؤكد المراجع على أنه قتل مسموما فتألم أمحمد يحيى كثيرا لمقتل أخيه و قرر أن يأخذ بثأره من هؤلاء الخونة، ومما يرجح مقتل القاضي مسعود مسموما هو قيام السلطات الفرنسية بعزل الضابط كروزي(Crouzet)و تعيين مكانه جليز( Gellez)، الذي أصدر قرارا في 29 نوفمبر 1875 باعتقال أمحمد يحيى استجابة لرغبة بولخراص و سمح للقرار أن يطبق.
كما انه تحالف مع علي باي وبدأ بالتحضير للثورة بشكل سري ،وقد أكد الجنرال كارتيري ،أن دافع الانتقام هو من بين أهم أسباب الثورة ،ولكن الحاكم العام شانزي لم يقتنع بهذا التحليل، وبرره إلى ميل الجنرالين إلى القبول برواية بن قانة والتي كان الهدف منها الإطاحة بعلي باي ،وهذا الاتهام يدخل ضمن حلقات الصراع بين العائلتين لا أكثر ولا أقل ،وما دعم شكوك الحاكم العام هو بقاء قوات علي باي في مكانها المحدد لها طوال فترة الثورة ،وهذا أكبر دليل على بطلان هذا التحالف .
7- الرسالة التي بعثها سكان بسكرة، و المناطق المجاورة إلى الحاكم العام الفرنسي بالجزائر في شهر جوان 1875 ،حيث اشتكوا له ظلم و غطرسة بولخراص بن قانة، إضافة إلى تجبر الضابط الفرنسي كروزي فاتهم بولخراص بن قانة كاتبه أمحمد يحيى صاحب فكرة تحرير الرسالة للأهالي، و تم إلقاء القبض عليه و ترحيله إلى مركز القيادة ببسكرة ،حيث حقق معه الضابط لوفروولكن نتيجة التحقيق أسفرت عن براءته، و على الرغم من براءته إلا أن بولخراص ظل ناقما عليه و طلب منه الاستقالة منبه، لكن الشيخ أمحمد يحيى أصر على مواصلة ممارسة مهامه ككاتب حيث أنه عندما دعا بولخراص أمحمد يحيى إلى بسكرة رفض الامتثال لأوامره خوفا من أن يلقى مصير أخيه .
المبحث الثالث: مجـريات الثـورة
بعد رفض أمحمد يحيى تلبية دعوة بولخراص إلى بسكرة ،وجه له هذا الأخير دعوة ثانية، بعد أن قدم له الضمانات الكافية لسلامته، فاتجه إلى بسكرة و اجتمع كل من أمحمد يحيى و بولخراص و الضابط جيليز ،و تناقشوا في العديد من المسائل التي كانت سببا في إشعال نار الخلاف بين القائد بولخراص و كاتبه، و بعد هذا الاجتماع تنفس جيليز الصعداء ظنا منه أنه قضى على الخلافات ،و أن الأمور ستعود إلى نصابها من جديد و لكن الذي حدث هو أنه بعد عودة أمحمد يحيى إلى أولاد بوزيد شرع في دعوة البوازيد إلى الوئام لأنه كانت هناك انقسامات في صفوفهم ، وقد تمكن أمحمد يحيى من التوفيق بين مختلف الأطراف ،كما أصبح بحكم الأمر الواقع شيخ للقبيلة ، كما حثهم على إعلان الثورة .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يقم الحاكم العام الفرنسي باعتقال أمحمد يحيى عندما أتى إليه في بسكرة رغم إصداره قرار اعتقاله في 29 نوفمبر 1875؟
وقد وجد أمحمد يحى في رجل الدين أحمد بن عياش قوة دعائية لثورته، فاستطاع هذا الأخير أن يوحد صفوف الأهالي و يجندهم و يبدد خلافاتهم الهامشية ،هذه الخلافات التي زرعها الاستعمار من أجل بث التفرقة قصد إضعافهم، و بذلك اندلعت الثورة في واحة العامري 2.
و عندما علمت السلطات الاستعمارية بأمر الثورة ،سارعت إلى الواحة قصد القضاء عليها قبل أن يشتعل لهيبها و يصعب إخمادها، فعملت في بادئ الأمر على سياسة التفرقة و ذلك بزرع الدسائس و الفتـن في أوساط الأهـالي و الإساءة إلى كل من أمحمـد يحيى و بن عياش ،و إظهار نواياهم في القضاء عليهم و تدميرهم و السير بهم إلى مصير مظلم 3.
كما طلب الحاكم جيليز من بولخراص أن يرسل له تقريرا يتضمن تفاصيل ما يحدث في واحة العامري، فأجابه أن البوازيد مخلصون للسلطة الفرنسية و أن اجتماعاتهم كانت من أجل طلب الغيث(صلاة الاستسقاء) و ليس الغرض منها الثورة .
إلا أن الضابط جيليز لم يقتنع بتقرير بولخراص ، وذلك بسبب ما أخبره به أحمد باي قائد أولاد زكري، عن تذمر أولاد بوزيد و عزمهم على إعلان الثورة و قد أخبر جيليز كل من الجنرال كارتيري و لوفرو عن مخاوفه قبل انطلاق الحملة على تقرت.
وعلى الرغم من استجابة أولاد بوزيد لطلب الجنرال كارتيري في المساعدة لاقتحام مدينة تقرت ،حيث وصلت قوات البوازيد إلى بسكرة في وقتها المحدد للمشاركة في الحملة(على الرغم من عزمهم على إعلان التمرد).
و في صباح 08 مارس 1876 توجهت القوات الفرنسية رفقة البوازيد إلى تقرت و ما إن وصلوا "مراير" حتى انفصلوا عنه و كان ذلك في 11 مارس ،1876و حاولوا استغلال فرصة انفرادهم بالجنرال كارتيري و الهجوم عليه و على قواته في واد ريغ لكنه تفطن لنية البوازيد فاضطر للعودة أدراجه .
وبعد هذه الحادثة أعلن الحاكم العسكري لتقرت أن عرش لبازيد في حالة عصيان ،ولابد على فرنسا أن تسرع في اتخاذ التدابير اللازمة لإخماد هذه الثورة ،قبل أن يمتد لهيبها إلى المناطق المجاورة للعامري ،وتصعب السيطرة عليها .
وفي 26 مارس 1876 ،وردت إلى مقر الحكومة العامة أخبار عن بداية انتفاضة قبيلة لبازيد البدوية ،وذلك بزعامة مرابط مجهول لدينا ،وقد عجز قائد المنطقة بن قانة في إحكام السيطرة على الوضع ، فالمنطقة إلى غاية هذه الفترة بقيت بعيدة عن التخطيط لأي ثورة وذلك بسبب القمع الشديد الذي تعرضت له ثورة1871 ،إلا أن العداء القائم بين آل بن قانة وعائلة بو عكاز (علي باي) ،هو الذي دفع بعودة الاضطرابات من جديد .
و بعد هذه الحادثة تأكدت البداية الحقيقية للثورة ،خاصة بعد أن أكدها القائد بولخراص للضابط لوفرو و كان ذلك في 19 مارس، كما حمله لوفرو كامل المسؤولية، و اتهمه بالعجز عن رصد كل ما يحدث من حوله، كما أبلغ الجنرال كارتيري بالمستجدات التي حدثت في المنطقة و بالاستعدادات التي قام بها كل من الزعيمين أمحمد يحيى و أحمد بن عياش، و اتصالهما بشيوخ القبائل المجاورة لهم، و قد نجح في كسب دعم قبيلة المسالمية وسيدي سليمان ،و الشيخ بن داح شيخ قبائل الجبابرة، والشيخ مبروك بن بريكة شيخ أولاد داود و الشيخ محمد بلحاج بن سالم و الشيخ علي بن ريش شيخ زاوية متليلي ، بهدف تحطيم نفوذ و سيطرة فرنسا وأعوانها من عائلة بن قانة .
و بهذا قرر لوفرو اللجوء إلى الحيلة و الخداع مرة ثانية، فحاول استمالة الشيخ أمحمد يحيى و استدراجه إلى بسكرة، قصد القضاء عليه و التخلص منه و على انتفاضته متجاهلا و ككل مرة أن الثورة لا يقودها الأشخاص بل الأهداف و المبادئ.
فراسله يطلب منه القدوم إلى بسكرة، قصد التحاور معه ،لإيجاد حل للمشاكل العالقة بشكل سلمي، لكن أمحمد يحيى تنبه للمكيدة المدبرة ضده فرد عليه بالرفض، بحجة أن البوازيد يرفضون ذهابه خوفا على حياته .
كما أن بولخراص رفض التنقل إلى واحة العامري خوفا على حياته، لذلك قرر لوفرو التنقل بنفسه إلى الواحة في 28مارس 1876، قصد التفاوض مع أعيان عرش البوازيد ، أثناء مروره بطولقة على رأس فرقة صغيرة ،استقبله الأهالي ببرودة و تذمر شديدين ، فطلب من الشيخ عثمان بن علي، شيخ زاوية طولقة، مرافقته إلى واحة العامري قصد التوسط بينه و بين أمحمد يحيى.
وبمجرد اقتراب لوفرو من الواحة ، أحاط به مسلحون من البوازيد يتزعمهم أمحمد يحيى ، فطلب لوفرو من قائد عرش البوازيد التريث ومعالجة الأمور بطرق سلمية ،لكن محمد بن يحيى طلب منه التراجع، وإعطاء له فرصة ليتشاور مع أعيان الواحة قائلا :"اذهب إلى السهل مع فرسانك وسأجيبكم "، وقد كان التهديد مستترا في كلام أمحمد يحيى ، وهذا الذي لم يستحسنه لوفرو لأنه بها أصبح يرى الأدوار تعكس .
كما أنه تفطن لخطة أولاد بوزيد بمحاولة إغتياله ،فقاموا بمحاصرته،وقطع سبل العودة أمامه . فلجأ إلى زاوية طولقة واحتمى بها ،حيث قام بإرسال الرسل إلى القائد الحاج بن قانة الذي كان في أورلال طالبا النجدة ،و بقي محتميا في الزاوية إلى أن وصلت قوات الإغاثة ،و عاد من مهمته تحت حراسة عسكرية مشددة ليلا.وعند عودته إلى بسكرة قدم تقريرا عن مهمته إلى الحاكم العام جيليز ،حيث طلب فيه من الحكومة عزل البوازيد عمن حولهم لتجنب إنتشار لهيب الثورة .
وفي 30مارس1876 أرسل شيخ الزاوية رسالة إلى أمحمد يحيى ، يطلب فيها منه الحضور، لكن الرسول عاد ليخبرهم أن الوقت قد فات و أن الثورة قد اندلعت و اشتعل لهيبها ،و أنه لم يعد هناك أي مجال للتفاوض أو الحوار كما أنبأهم بأن بن عياش و رجاله قد أغاروا على المنازل و الخيام للمناطق القريبة من طولقة، و هم الآن متمركزون في السهل الممتد بين طولقة و فرفار . و في هذه الأثناء بدأ الجنرال كارتيري بتجهيز قواته للسير إلى واحة العامري ،من جهة أخرى قام الزعيم أمحمد يحيى بجمع السلاح و تعبئة كل الطاقات، كما أن داعيته بن عياش قام بحمل علم أخضر (رمز الجهاد) و بدأ يحث الناس على حمل السلاح و الصمود لتخليص البلاد من الأعداء ،فاستجاب البوزيد و المناطق المجاورة للنداء .
وفي3أفريل 1876منح لوفرو للبوازيد مدة 5أيام للعدول عن أمر الثورة ،كما كلف بن قانة بتبليغهم الرسالة التالية " سوف أحاول إخبار السكان أنهم آيلون لا محالة إلى طريق مسدود وإنهم إذا استسلموا بدون قتال سينجون من 14قطعة مدفع مصوبة نحوهم وبنادق 2000جندي ستدك بيوتهم " .
وقد وصلت إلى بسكرة يوم 2أفريل أربع سرايا مشاة بمجموع 440رجلا لتتوجه هذا الصباح من بسكرة ،ليصبح مجموعها6 سرايا وكانت تحت قيادة كارتيري القادم من قسنطينة.أما قوات السيد (Dubuch) ،والمكونة من كتيبة للمشاة المقاتلين فوج لمدفعية الميدان و3فرق للفرسان ،وفوج للمقاتلين الجزائريين ، 44من البغال التي تحمل الغذاء ،و122من الحيوانات التي تحمل الإمدادات والأمتعة ووصلت هذه القوات في 6أفريل1876 .
وبعد انقضاء المدة التي منحت للبوازيد للعدول عن موقفهم ،تحركت هذه القوات و عسكرت في مليلي وفي 9 أفريل وصلت إلى بوشقرون وفي 10 من نفس الشهر عسكرت بالقرب من الولي سيدي رحال ،بالقرب من فوغالة
و في صباح يوم 11 أفريل 1876 اتجهت هذه القوات نحو واحة العامري الذي خرج فرسانها لرد الهجوم وعلى الساعة السابعة اندلعت المواجهة الحاسمة بين الطرفين ،حيث بلغت قوات العدو 2200 جندي و حوالي 800 من المشاة و 200 خياله و فرقة من مدفعية الجبال و عناصر من القومية بقياد بن قانة وكانت مكونة من عرب الشراقة وقد كانوا مترددين كثيرا في مهاجمة إخوانهم من البوازيد بالرغم من تشجيع رؤسائهم ولكن في الأخير قرروا الانضمام إلى صفوف لبازيد .
وتمثلت أوامر الجنرال كارتيري فيما يلي : "خذوا مواقع ممتازة ،دون أن تبتعدوا عن العامري مع بقاء الاتصال بمدينة بسكرة ،وحاولوا تجنب كل استعراض للقوة عند مروركم بالواحات ،حيث يتحصن العدو ويدافع وراء الجدران والنخيل وراقبوا دائما ضواحي العامري ،واطلبوا مساعدة القوات القومية الذين انتم متأكدون من ولائها ،،حيث يقوم هؤلاء القومية باستيلائهم على بعض ما سيصادر ،وأعلموا البدو والرحل أنهم لا يمكنهم التنقل إلى التل حتى يعاد الأمن . وهكذا لن يصمد هؤلاء الخارجون عن القانون طويلا، وهم متحصنون بالعامري" .
و زحفت هذه العساكر صوب واحة العامري، و تمركزت بالقرب من القرية على مرتفعات تمكنهم من مراقبتها ،و هي كدية ميمون شرقا و طبانة شمالا و ذراع بلمسيس غربا و دام الحصار طويلا ،حيث قرر الثوار نقل المعركة بعيدا عن القرية حفاظا على الأهالي و المساكن و البساتين ،و قد قدرت قوات الثوار بحوالي 1000 فارس و 2000 من المشاة .
و نشبت معركة طاحنة بين الطرفين، و قد ذكرت بعض المصادر أن الهجوم الفرنسي استمر من الساعة 8إلى الساعة10والنصف، وأكدت على أن القائد أمحمد يحيى قد استشهد في أولها ،كما استشهد 50 آخرين من المجاهدين و جرح الداعية بن عياش، كما تم جرح و قتل عدد كبير من القوات الفرنسية. و أمام هذه التطورات عقد مجلس حربي في الواحة ،حيث أصر الزعماء على مواصلة المقاومة، على الرغم من الخسائر التي مني بها الثوار، إلا أن أغلبيتهم صمموا على مواصلة الجهاد،حيث قال بن عياش "أنا مستعد لأن أموت ألف مرة على أن أسلم علم الثورة للفرنسيين ".
كما أن العدو فرض عليهم حصارا فاعتصم الثوار داخل الواحة مدافعين عنها رافضين الاستسلام.
ومن أسباب الفشل هي :
1. عدم احترام الثوار للخطة الموضوعة.
2. القصف العشوائي لفرنسا الذي أربك صفوف الثوار.
3. مساعدة القوم والقياد لفرنسا وتزويدها بمعلومات هامة عن الواحة،وعن أساليب القتال عند البوازيد .
نجاح الحصار نظرا للموقع المفتوح للواحة ،مما أجبر الثوار على الاحتماء بقصر العامري ،وتمكن فرنسا من السيطرة على مجريات المعركة .
أما أيام 12و13 أفريل فقد تضمنت نشاطا للدوريات الذي قادها العدو ليتمكن من رصد الخسائر التي ألحقت بالثوار .
و في 14 أفريل 1876 استغل الثوار فرصة هبوب عواصف رملية شديدة وقاموا بالهجوم مرة أخرى ،وذلك من الساعة السابعة عشر والنصف إلى الساعة الثانية والعشرون ،و اقتحموا مخيما للفرنسيين بكل عزيمة و إيمان، و تمكنوا من خلال هذا الهجوم من جرح 3 ضباط فرنسيين ،إضافة إلى جرح بن قانة قائد قوم بسكرة، و قتل 27 جندي فرنسي و 4 من الخونة و جرح ثلاثة آخرين،وقد عرف هذا الهجوم بليلة "الزدمة" أو "الخدعة في جنان الرومي" .
وفي 20أفريل اشتبك الثوار مع قوات العدو، الذي فضل التمركز في المعتقل في انتظار وصول المساعدات ،وقد استغل الثوار حالة الارتباك التي تخللت صفوف العدو
الذي كان في فترة تناول وجبة العشاء والذي سهل للثوار عملية الهجوم هو سي المكي بن عيسى الذي كان مدربا في الجيش الفرنسي وكان يفرق بين نغمات الأبواق ،فما إن عزفت نغمة العشاء حتى أمر الثوار بالهجوم، إلا أن هذا الهجوم لم يحقق أي نجاح.
وأمام هذا الحصار رأى زعماء الواحة ، ضرورة طلب الإعانة من الواحات المجاورة و بدأ بن عياش الزعيم الروحي للثورة في كتابة الرسائل إلى زعماء القبائل المجاورة طالبا منهم العون و المساعدة. ووصلت النجدات من أنحاء الزيبان ،حيث بلغت 500 متطوع، و هذا ما بعث الخوف في نفس الجنرال كارتري من حدوث ثورة عارمة فأرسل في طلب تعزيزات من بوسعادة و قسنطينة ،كما أنه أحكم الحصار على الواحة في انتظار وصول النجدات،وقد دام هذا الحصار حوالي شهر أكثرت فيه فرنسا من القصف العشوائي على الواحة .
و في 22 أفريل 1876 وصلت الإمدادات العسكرية للجيش الفرنسي الآتية من عدة مناطق، بما فيها القبائل الموالية للقوا ت الاستعمارية ،فوصلت قوات قسنطينة بقيادة العقيد ناروي (Narrue).الذي تمركز شرق الواحـة ،إضافة إلى قوات القومية القادمة من بريكة .
و في 24 أفريل وصلت قوات من بوسعادة بقيادة روكبرون (Roquebrune) و عسكرت كل قوة في المكان المخصص لها حسب الخطة الموضوعة، و قد أحاطت هذه القوات بالواحة من الشمال و الغرب بينما من الجنوب حاصرتها قوات القومية،التي تضمنت 320من الخيول .
وفي 27 أفريل شرعت القوات الفرنسية بقصف الواحة من الجهات الثلاث للواحة كما تم استعمال 14 مدفعا ،وقد استمر القصف العشوائي لمدافع العدو إلى غاية 29 أفريل، فتضرر الثوار المحتمين في القصر كثيرا من هذا القصف ، فلم يسلم العباد و الدور وحتى أشجار النخيل ،وأمام هذا الخناق القاتل الذي فرض على الواحة ومن بداخلها ،وبعد ثلاثة أيام من القصف المتواصل أجبر المقاومون على الاستسلام ، وأصبح مطلبهم الوحيد هو النجاة بأرواحهم .
المبحث الرابع : العقوبات التي فرضت على الواحة
بعد الهزيمة تكون وسائل الانتقام عند الاستعمار وأعوانه واحدة في كل زمان ومكان، وبعد كل انتفاضة يلجأ الاستعمار إلى السلب التدمير والتهجير والتشريد ،واستعمال جميع الوسائل التي يمكن أن تمنع المقاومة من الظهور مرة أخرى ،فباستسلام الثوار و انتهاء المعركة بدأت فرنسا بتسليط أبشع و أقسى العقوبات على الواحة و سكانها فقاموا بتخريبها بشكل كامل كما اقترفوا أبشع الجرائم من هدم المنازل و حرق الأشجار و قطع النخيل ،على غرار ما فعله هربيون بواحة الزعاطشة،ولكن هذه المرة بشعار جديد ويل للمهزومين .ومن الإجراءات التي اتخذها الاستعمار مايلي :
1- فرض غرامة مالية مضاعفة بـ 8 مرات للضريبة السنوية المعتاد دفعها وذلك بموجب القانون الصادر في الجريدة الرسمية في 12اوت 1876، حيث فاقت 150.000 فرنك كما أرغمتهم على تسليم 1122 بندقية، إلا أنهم لم يتمكنوا من تسليم سوى 452 بندقية . و أمام عجزهم عن تسليم الكمية المحددة ألزمتهم بدفع غرامة مالية قدرها 45200 فرنك، كما شملت الغرامات بعض القبائل المساندة و المتعاطفة مع الواحة و قد قدرت بـ44200 فرنك ،كما فرضت عليهم ضريبة حرب قدرت 000 100 فرنك ،تدفع في مدة لا تتجاوز 4 سنوات .
أما قوات القبائل المجــاورة التي ساعدت الثورة فقد تقرر أن تدفع غرامــة قدرها
100 50 فرنك مقابل البنادق التي لم تسلم وعددها 501 بندقية . إضافة إلى دفع دية مقدرة ب6000فرنك للقوات القومية التي قتلت أثناء الاجتياح ودفع 3000فرنك مقابل ما قتل من خيول .
2- مصادرة الأملاك العقارية، و نهب الأثاث المنزلي و المؤن و المصوغات بمختلف أنواعها، كما قامت السلطات الفرنسية ببيعها لأعوانها و أصدقائها فيما بعد، كما أمرت بمصادرة نخيل واحة العامري و فوغالة ،حيث قدر التقرير العسكري المؤرخ في 21جويلية 1876 أن قيمة الممتلكات المصادرة لعرش لبازيد تم استخلاصها كما يلي : العامري 337 نخلة وفوغالة 1810 نخلة والبرج وداران 144نخلة بإضافة إلى 510جملا وبعض الأغنام والماعز ، فقدرت الأملاك المستخلصة بـ72000 نخلة و المواشي و الخيول كما استولت على 700 خيمة و 5000 من الغنم و ما يزيد عن 4000 من الإبل .وقد منحت بعض هذه الممتلكات المصادرة لعرب الغرابة أعداء لبازيد بعد مساندتهم للقوات الفرنسية ،في القضاء على الثورة ،كامتياز لهم .
3- استشهاد 400 مجاهد من بينهم قائد المعركة أمحمد يحيى و مصادرة سلاحه و جوداه و بيعها بالمزاد العلني أمام محكمة طولقة بثمن قدره بـ4 دوروه، و قد اشتراها بولخراص شيخ قرية أوماش .
4- تشريد و تشتيت فروع البوازيد الأربعة قصد إضعافهم و التخلص من خطرهم فنفى الجبابرة إلى تيارت ،وأولاد إدريس إلى ولاية المسيلة ،وأولاد أيوب إلى تبسة وأولاد سعود إلى بريكة ، كما نفي البعض منهم إلى سبيطلة (تونس) شرقا و إلى تيهرت و التل الوهراني وفاس والدار البيضاء غربا و بمنطقة القبائل الكبرى يوجد هناك قرية البوازيد و سكانها يطلق عليهم ايبوزيدن –كما نفي البعض منهم إلى منطقة قرب جيجل ،ويطلق عليهم في الوقت الحالي بني فوغال ،كما نفيت جماعات أخرى إلى شاطودان ، و من بين الأعوان اللذين تولوا مهمة نقل البوازيد إلى الغرب الجزائري أوزلاقن و الباشا أغا ابن علي الشريف ،كما تم نفي قادة المعركة إلى كل من جزيرة كيان وكورسيكا ،ولم يبقى في الواحة إلا 18 عائلة كان أربابها في سفر فلم تثبت ضدهم أي تهمة .
وقد تعرضت العائلات أثناء حملة تهجيرها إلى مجاعات قاسية و أزمات اقتصادية فتاكة ،حيث صرح قائد منطقة سطيف قائلا :"منذ انتهاء حملة الحصاد أصبح المنفيون عاجزون في أغلب الأحيان عن الحصول على ما يسدون به رمقهم ،إلا ما يقدم لهم من صدقات ...ولهذا نقترح على الإدارة العسكرية ،استقدام هؤلاء إلى أقبوا (القبائل ) للعمل كأجراء لدى الكولون هناك "وقد تحدث أجرون ( Ageron)عن دور هؤلاء في تخطيط لغليان شعبي جديد لرد الاعتبار بعد الإهانة التي تعرضوا لها فيقول "وفور اعتقادهم أنهم في مأمن من الرقباء يتحدثون عن ثورة سوف تحطم المسيحيين في ظرف شهرين ".
كما أن أولاد سعود وأولاد زيد أحمد المنفيون إلى بريكة لم يكن بإمكانهما البقاء في بريكة ،وذلك بسبب فقر المراعي هناك وأيضا للقرب الكبير من العامري وفوغالة ،ولذلك تم إرسالهم إلى أولاد بوعون دائرة باتنة .
أما المنفيون لمنطقة القالة فإنهم وبعد نهاية موسم الحصاد لم يجدوا ما يسد رمقهم لذلك
قام الحاكم العسكري للمنطقة بتوزيعهم في المناطق المجاورة ،أما الضابط المكلف بالشؤون الأهلية بجيجل فيقول حول هذه المسألة :"... لم يظهر حتى الآن أي تصرف مشين من قبلهم وأن أوضاعهم المادية تحسنت فأغلبهم مستعملين كخدم من طرف الأعيان المكلفين بمراقبتهم" .
أما عرش الجبابرة فكانت الوجهة المسطرة له هي منطقة الغرب ، حيث أنهم لم يتمكنوا من العيش في المنطقة ،وهذا ما دفع بهم إلى الفرار للمناطق المجاورة للقطاع الوهراني، ويقول في هذا الصدد الحاكم العسكري لوهران :"إن بيوت لبازيد التي نقلت إلى الغرب ،قد فر البعض منها إلى موطنها الأصلي " .وقد أحصى التقرير المؤرخ في 18جوان 1882 عدد العائلات الماكثة في منطقة وهران ب133 عائلة ،وهي موزعة كالتالي 54: عائلة في دائرة سعيدة و53عائلة في معسكر و6عائلات في تيارت .
وفي 10جوان 1879 استفاد البازيد من قرار الحاكم العام العفو على الأشخاص الذين كانوا يعملون في الجيش خلال حدوث التمرد أو يعملون في الخدمة العامة ،و الذين يملكون مبررا بعدم وجودهم في الجزائر خلال التمرد .
كما أنه في سنة 1879 تمت أول عملية بيع لواحة العامري ،وكانت المزايدة التي حدثت تشمل قطع منفصلة لكنها فشلت لعدم حضور أي مشتري ،وذلك تضامنا مع أصحاب الواحة الأصلين .
وفي 3نوفمبر1879 أقيمت ثاني عملية بيع على أساس الواحة كاملة ،وتمت عملية البيع لصالح السيد (Forciolle Treille) و السيدة (Sarradin) وهما من المعمرين .
وفي 7 أوت 1890 ، تم العفو عن مجموعات البوازيد المتواجدين في التل وسمح لهم بالعودة إلى الزيبان. ووزعت عليهم أراضي للحرث في منطقة الدوسن.
و قد خيروا بين شراء البساتين أو الدور فاختاروا الثانية ، و بقيت البساتين بيد المعمرين اللذين سخروا الأهالي لخدمتها تحت الذل و الهوان كما أجبروا على ممارسة حياة الرعي و الخماسة في ممتلكاتهم ،كما أجبرتهم على ممارسة أعمال السخرة و المتمثلة في شق الطرقات و تعبيدها منها الطريق الرابط بين باتنة و بسكرة .
وفي سنة l922، قدم البوازيد التماسا يطالبون فيه رفع الحراسة القضائية عليهم. وفي سنة 1917 قاموا بإجراء اتصالات مع السيد ترايل قصد إعادة شراء نخيلهم ، وذلك بواسطة بن قانة.وقد طلب السيد ترايل قيمة 150.000 فرنك ، لكن البوازيد لم يكن بإمكانهم جمع غير 100.000 فرنك، ويبدو أن العملية فشلت لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على قرض 50.000 فرنك الباقية. وقد تم شراء واحة فوغالة من طرف نفس السيد ثم انتقلت الملكية إلى السيد (Bchère) وذلك بعد تصفيتها.
5- إلقاء القبض على الزعيم الديني للمقاومة ابن عياش بعد إصابته بجروح خطيرة رفقة 91 مجاهدا آخر أين عرضوا على محكمة عسكرية فأصدرت حكم الإعدام رميا بالرصاص بحق كل من ابن عياش ، كما أمرت بسجن 68 ثائرا وتوزيعهم على سجون مختلفة في منطقة الشرق الجزائري.كما أصدرت قرار النفي في حق 91مجاهدا إلى كورسيكا .
6- عزل الخائنين علي باي ومحمد ابن إدريس آغا تقرت و ورقلة ،الأول لعجزه عن الدفاع عن تقرت ضد بوشوشة 1872 ،وقد أصدر قرار تجريده من جميع وظائفه في أفريل 1877، و الثاني رغم ولائه الأعمى لها و تمكنه من القضاء على حركة بوشوشة ووقوفه في وجه الزاوية التيجانية ،إلا أن العقيد نولا اتهمه بالخيانة و الكذب فتم إبعاده وعندما انتصرت الزاوية التيجانية عليه و على أولاد بن قانة تخلت القوات الفرنسية عن حلفائها التقليديين وحاولت التقرب من الزاوية التيجانية تحت شعارها المعتاد" نحن مع الأقوى " ،هذا بالإضافة إلى تقسيم أعراش لبازيد والزيبان والهدف من هذا التقسيم هو إضعاف سلطة بن قانة وتقوية نفوذ بن شنوف.
7- بتاريخ 12أوت1876 أصدرت السلطات الفرنسية قرارا تم نشره في الجريدة الرسمية و يتضمن هذا القرار استخلاص الأموال المحصل عليها من واحة العامري و تتم كالآتي:
أ- الأموال المحصل عليها من طرف الفرنسيين كعقاب لسكان واحة العامري و توضع هذه الأموال في صندوق خاص .
ب- كل فرد من سكان واحة العامري اغتصبت أرضه و أصبح يطالب بها ما عليه إلا شراءها من جديد و بأسعار باهضة من السلطات الفرنسية و يتم دفعها للصندوق السابق ذكره و تصرف أمواله لتعبيد الطريق الرابط بين (توقرت وورقلة) و(بسكرة وباتنة ) كما تستغل هذه الأموال لقمع الثورات الملتهبة.
كما طالب مجلس الجماعة للبازيد من الإدارة الفرنسية في 1906 بشراء ممتلكاتهم السابقة التي قامت فرنسا ببيعها ،ولكن الحاكم العام رفض الطلب وعاود البوازيد المحاولة في 03أفريل1910 بمساعدة الحاكم العسكري لتوقرت فكان رد الحاكم العام "إنه على لبازيد الرجوع إلى الذين اشتروا تلك الممتلكات والتفاهم معهم وإن الإدارة تمتنع مستقبلا عن تقديم أي رد حول هذا الطلب ".
8-تشتيت السكان على مناطق متباعدة وذلك بغرض تفكيك الرباط القبلي والاجتماعي، وتضرر الكثير من الأسر بفعل النفي الاضطراري وعدم قدرة أفرادها على التواصل، ومنهم من مازال حتى اليوم .
9- كما أنه صدر مرسوم في 30جوان1876 لإنهاء حكم الجيش وسيطرته على المناطق الساحلية من الجزائر وإلحاق هذه الناحية بالوزارات المختلفة في باريس ،نتيجة عجزه في الكثير من المرات في القضاء على الثورات الشعبية لولا مساعدة فرق القومية له رغم التطور العسكري الكبير له.، ولكن الهدف الحقيقي من هذا التحويل هو إدماج الجزائر بفرنسا وجعلها مقاطعة فرنسية، وذلك لإتاحة فرصة للجالية الأوربية بالجزائر لتفرض وجودها على الحاكم العام بالجزائر، وتوجه أمور البلاد حسب مصالحها دون الظهور على الساحة.
لقد تصدى سكان واحة العامري للاستعمار الفرنسي ولحملاته الشرسة وذلك على الرغم من الصعوبات والمضايقات التي تعرضوا لها ،كما أنهم حملوا لواء الجهاد وثورة بدء بزعيمها الروحي بن عياش .
وحقيقة أنه لم يكتب لها النجاح وتحقيق النصر وذلك لعدة ظروف إلا أنها تمكنت وبقلة حجمها من أن ترعب صفوف العدو في الكثير من المرات وأثبتت وبشكل لا يدعو لشك أنه عندما يتعلق الأمر بدفاع عن الأرض والعرض فإن الدفاع يكون مستميت .
يعود أصل البوازيد. إلى الولي الصالح سيدي بوزيد بن علي بن مهدي بن صفوان بن مروان بن يسار بن موسى بن سليمان بن يحيى بن موسى بن عيسى بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن السبط بن الحسن المثنى بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت الرسول ¬_ صلى الله عليه وسلم _ .
ولد سيدي بوزيد بمكة المكرمة في بداية القرن الخامس (420هـ،1050م)،ومن صفاته أنه كان أشقر اللون، مقرون الحاجب، كثيف اللحية، له علامة في طرف جبهته ،وهو جرح أصابه به جواد من الخيل وهو في سن الثامنة عشر ،كما عاش من العمر ما قارب 163 سنة ،تلقى تعليمه الأول في مسقط رأسه ،حيث حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز من العمر 10سنوات ،كما درس الفقه والحديث وعلوم الشريعة، وتتلمذ على يد شيوخ أجلاء منهم أبو حامد الغزالي، سيدي ابن العربي،وغيرهم من العلماء.
وعندما بلغ من العمر أربعين سنة، عزم على الرحيل لزيارة ضريح إدريس الأكبر، في المغرب الأقصى، فاستغرقت رحلته نحو 40 سنة،وقد شهد له سكان المناطق التي حل بها بالعلم وسعة الرزق وحسن الأخلاق.
و بمدينة فاس، طاب له العيش فأستقر بها، إلى أن أصبح حاكما لها ،ولكن ومع مرور الوقت نشب نزاع بينه وبين أبناء عمه الأدارسة، فتنازل لهم عن الحكم ورحل هو وأفراد عائلته إلى جبل راشد بالمغرب ، و في سنة (510هـ، 1150م)،زار الجزائر، أين
استقر في منطقة "بجبل العمور"،حملت اسمه "قرية سيدي بوزيد "،كما يوجد بها ضريحه .
توفى في (580هـ،1210م)،خلف أربعة أولاد هم : عبد الله ،محمد، أحمد، علي .
عبد الله وذريته:
أولاد عبد الله هم جزء كبير من سكان القرية حيث ضريح سيدي بوزيد، والجزء الآخر توزعوا بين الهامل،و تاقين (قرب معسكر) ،أولاد سيدي العيد في فرندة، أولاد عبد المالك في ثنية الحد .
محمد وذريته:
أولاد سيدي محمد غادروا كلهم إلى المغرب ولم يبق أحد من ذريته في الجزائر، وهم الآن موزعون بين تازا والدار البيضاء ،حيث قرية بالقرب من هذه المدينة تحمل اسم سيدي بوزيد.
أحمد وذريته:
أولاد أحمد وهم موجودون كلهم في أقصى الشرق الجزائري حتى تونس، حيث تحمل ولاية تونسية اسم سيدي بوزيد. نبغ من أولاده وأسلافه كثير من العلماء والأولياء منهم:
• سيدي محمد بالقاسم الهاملي، وضريحه في بلدية الهامل بالقرب من بوسعادة.
• سيدي الحسين بن أحمد البوزيدي مدرس بالأزهر في مصر.
• سيدي محمد بوزيدي المستغانمي شيخ الطريقة الشاذلية الشهيرة.
• سيدي إبراهيم بن أحمد شيخ طريقة ومؤسس الزاوية القادرية في تونس .
• سيدي محمد البوزيدي المغربي شيخ الطريقة الدرقاوية.
• العالم الصوفي الكبير بن عجيبة المغربي، صاحب المؤلفات العديدة، من ضمنها: أيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لابن عط الله الإسكندري
• العلامة سيدي محمد الشاذلي القسنطيني وكان من الأصدقاء المقربين للأمير عبد القادر.
علي و ذريته:
وهم أولاد جلول، أولاد إدريس، أولاد أيوب، أولاد جعفر لجبابرة (المدعوون البوازيد الشراقة) وأولاد عيسى بالقبائل وهم ينتمون إلى الزاوية الرحمانية أولاد أسعود في البيض، أولاد صافي في سيدي بلعباس، بني سعد في تلمسان، أولاد بوزيد بن عبد الله في غيليزان.
وقد أشتهر عرش البوازيد عموما بالشجاعة والكرم وسعة العلم لقول الشاعر:
وحاصل الذكر أن البوازيد كلهم
فإما شجـاع بالسلاح مغمـد
وإما كريم الضيف للقرى
وإما مـلك سائس يتهــدد
وإما همام العصر سلطان قائد
وإما تقي بـلتقى يتعبــد
وإما ولى كامل يرشد الورى
إما عليـم للعلــوم مجـدد
وإما فتى حمل القرآن ربنا
وإما إمام خطيب مصهرد
و بوازيد منطقة الزاب ينتمون إلى الابن الرابع لسيدي بوزيد على بن سيدي بوزيد، و بسبب الاضطهاد الذي تعرض له هؤلاء البوازيد في الغرب من قبل أمراء تلمسان ،انسحبوا تباعا إلى جبل عمور ( عين الريش )،ثم إلى أولاد جلال وأخيرا استقروا في العامري .
كما أن بوازيد فوغالة، كانوا يتنقلون إلى سوق السبت الموجودة في طولقة، حيث كانوا يقصدونها لفرز التمور (دقلة نور) ،وتنقلاتهم كانت وما تتم في مجموعات .
وبعد استقرارهم في العامري، شرع البوازيد في تشييد المنازل وبعض المرافق المهمة كالمسجد القديم على سبيل المثال .كما أنهم كانوا يمتلكون ثروة هائلة، والمتمثلة في قطعان الماشية والتي كانت سببا في انتقالهم إلى التل في مواسم الحر .
وعن تاريخهم في المنطقة قبل الاحتلال الفرنسي ،فقد كانت منطقة لغروس في العهد التركي تحت قيادة البوزيدي (شيخ الغروس)،وذلك بعد منحه صالح باي الزميرلي البرنس الأزرق ،كدليل على تعينه شيخ العرب بالزاب الشرقي ،حيث كان هذا البرنس الأزرق اللون دليل على مرتبة المشيخة ،وكان هذا الشيخ تابع لأوامر القايد التركي الذي يلبس البرنس الأحمر . كما حرص البوازيد على تقديم لشيخ العرب 300 فارس تساعده في عملية استخلاص الضرائب من سكان الزاب .
وفي أواخر القرن17 وبداية القرن 18 قادة أم هاني التركية بنت رجب باي قسنطينة (ضرة جراحة بنت الشيخ الحداد والدة فرحات بن السعيد ) ، حركتها في منطقة الزاب ،فكان من أهم نتائجها انقسام قبائل الجنوب إلى قسمين حيث ضم:
القسم الأول: أهل بن علي، الشرفة، غمرة فامتنعوا عن تقديم الطاعة لشيخ العرب
إلا بقوة السلاح.
القسم الثاني : البوازيد ،أولاد زكري الذين قدموا لشيخ العرب الطاعة العمياء .
وبقى الولاء إلى غاية الاحتلال الفرنسي للزيبان 1844،
وفي هذه المرحلة لم يختلف الوضع كثيرا حيث ظل البوازيد أوفياء لشيخ العرب وحادثة مقتل فرحات بن السعيد على يد البوازيد 1842 اكبر دليل على ذلك .
۞ لمحة عامة عن واحة العامري
تقع واحة العامري في الجنوب الغربي لمدينة بسكرة، على بعد 50كلم تقريبا على مجرى مائي ينحدر من جبال أقسوم ويصب في وادي جدي ،و قد قامت هذه القرية على أنقاض قرية قديمة تدعى بيقو تقع على بعد 500 م شرق القرية الحالية، و قد زالت آثار هذه القرية و لم يبق من أثارها إلا القليل ∙
أما القرية الحديثة (العامري) ،فهي قرية بسيطة البناء مبنية من الأخشاب و الجريد، يتجاوز عدد دورها 300 دار يحيط بها سور حصين، مزود بمنافذ و أبراج لمراقبة محيطها، و لدفاع عنها ، يوجد بالقرية مدخلان (شرقي وغربي) و هما عبارة عن بابين يوصدان بعد صلاة العشاء ،و يفتحان مع طلوع الشمس،كما يوجد بها قصر العامري المكون من منازل متجاورة ∙
و قد كانت حياتها الاقتصادية جد مزدهرة، و ذلك بسبب وجود الكثير من المتاجر و دور الحرفيين ( صناع، حدادين... الخ).والمنطقة مشتهرة بصناعة الزرابي و البرانس، و صناعة السلاح كالحراب و الخناجر و كذلك صناعة البارود، كما كانت تقام بها سوق أسبوعية كل يوم جمعة ، و أهالي المنطقة يعتمدون في معيشتهم على غرس النخيل، و زراعة الحبوب و الخضر، و على رعي المواشي و الإبل و تربية الخيول خاصة عند البوازيد الرحل المنتشرين في ضواحي القرية.
أما فيما يخص الجانب الثقافي للواحة، فهو لا يقل نشاطا و ثراء عن الجانب الاقتصادي، فقرية العامري كثرت بها دور العلم خاصة المساجد و قد لعبت دورا فعالا في الحياة الثقافية بالمنطقة،فأصبحت مقصدا لكثير من العلماء في بلاد الجريد ونفطه ، كما اشتهر بها عدد من الأطباء العارفين بفن الطب .
۞ نبذة عن حياة الشيخ أمحمد يحيى
هو الشيخ أمحمد يحيى بن محمد بن الصغير بن عبد الله ،ولد سنة1841 ،و هو زعيم أولاد إدريس ، و هو فرع من أولاد بوزيد، و لا يعرف شيء عن حياته قبل أن يتزعم الثورة، سوى أنه كان من عائلة ميسورة الحال، و لديه القدر الكافي من العلم.
وبسبب ذكائه أصبح أمين وصاحب سر القائد، كما شغل منصب كاتب (خوجة) القايد بولخراص بن قانة و لعدة سنوات وهذا ما جعله يتزعم عرش أولاد إدريس، و قد تزعم الثورة و هو في سن الخامسة والثلاثين .
كما أنه عرف بالبطولة و حسن الخلق و الذكاء، و قد ساعده منصبه كثيرا على تقصي الأمور عن كثب و إدراك النوايا الحقيقية للعدو الفرنسي، فعارضها و تصدى لها، فطلب منه بولخراص الاستقالة من منصبه لشيخ أولاد إدريس،بتهمه كتابة شكاوي باسم الأهالي وإرسالها إلى قائد المنطقة ،ورغم تأكيد خبراء الخطوط على براءة أمحمد يحيى ،إلا أن بن قانة أصر على عزله من هذا المنصب ،وهذا ما زاد فيه رغبة في الانتقام والتحالف مع علي باي لأجل ذلك ما أنه ينحدر من أسرة عريقة نبغ منها أخوه مسعود الذي كان قاضيا ببسكرة.
المبحث الثاني : أسباب اندلاع ثورة واحة العامري
لا تختلف أسباب مقاومة سكان واحة العامري عن بقية أسباب المقاومات الأخرى، و ذلك بسبب الترابط و التقارب فيما بينها، و هذا يعود إلى تمحورها حول هدف واحد هو رفض التواجد الفرنسي و عدم الرضوخ لسياسته الجائرة المطبقة ضد كل القبائل.ومن الأسباب المهمة لاندلاع هذه الثورة نذكر :
1- يعتبر السبب الديني من بين أهم الأسباب لاندلاع الثورة ،حيث أن سكان الصحراء كانوا ينظرون للفرنسيين على أنهم كفار و من الواجب محاربتهم و هذا ما ولد كرها شديدا في أنفسهم حيث أنهم لم يكونوا يفوتون فرصة تسمح لهم بمهاجمه القوات العسكرية الفرنسية، هذا الكره الذي كان نتيجة ما عانوه من سياسة المطاردة و التشرد المفروضة عليهم خاصة أثناء حركة بوشوشة .
2- سعي أحمد بن عياش -رجل دين –في مارس 1876 إلى تحريض الأهالي للجهاد ضد الغزاة الفرنسيين و طردهم، حيث ذكرت صحيفة المبشر (Mobacher)عن تزعم ابن عياش لحركة التمرد والعصيان " أنه كثيرا ما يتضح بعد التحقيق أن إدعاءات ابن عياش كاذبة وهى بتالي من إيحاء أمحمد يحيى ... وابن عياش تمكن من أن يؤلب
الناس على الإدارة الأهلية المتمثلة في الأعوان "
كما بعث الحاكم العام شانزي( Chanzy) إلى الجنرال كارتيري( Carteret) برسالة في 01جانفي 1876 أبلغه فيها " إن الثورة التي حدثت بعدما عملت فرنسا على إحلال السلام في المنطقة ،ليس مردها إلى المرابط ابن عياش فحسب...ولكن هي نتيجة الصراعات والدسائس المتواجدة بين الأطراف المسيطرة في المنطقة " .
كما اقترح قائد الدائرة لبن قانة ˶بأن لا يعطي لهذا الدرويش أهمية مبالغ فيها ، لأن عملية عزله ستكون بشكل تدريجي، وذلك بالسماح إلى عشابة البوازيد بالتوجه نحو الشمال ،وإذا قام هذا الدرويش وهو مبتغانا بالسفر معهم فسوف تنخفض وتضيع هيبته يوما بعد يوم ،وسيصبح من السهل إلقاء القبض عيه عند مروره بباتنة إلى قسنطينة ،أما إذا قبل التعاون معنا فسنعيده كما كان من قبل مجرد معتوه˵ .
3- بعد تمكن القوات الفرنسية من القضاء على حركة بوشوشة ،حيث ظل هذا الأخير مسيطرا على الجنوب منذ 1872 إلى غاية إلقاء القبض عليه ،و إعدامه يوم 31 مارس 1874 ،في جويلية 1874 قام الحاكم العام بإعادة تنظيم إدارة المناطق الصحراوية ،وذلك بإسناد القيادة إلى ابن إدريس ،في محاولة منه لخلق التوازن بين الطرفين المتصارعين (بن قانة وعلي باي ) ، و هي نفس السياسة التي اتبعتها في المقاومات السابقة مثل : ثورة المقراني و الحداد 1871 .
كما أمر بمنح شيء من حرية التصرف لزعماء الأهالي ،وهذا لتجنب التدخل المباشر في شؤون المنطقة ،و اقتصر تدخل الضباط في حالة عجز رؤساء الأهالي عن حل الصراع ، إلا أن هذه السياسة لم تنجح لأن المكلفين بتطبيقها(من ضباط المكاتب العربية) كانوا يعملون على تجسيد سياسة الدس و الإيقاع بين العائلات خاصة بن قانة وأولاد بوعكاز . هذه الخصومات انعكست سلبا على أولاد بوزيد ،فأعلنوا الثورة ضد فرنسا بعد أن قاموا ضد الأمير عبد القادر و حلفائه .
وقد ذكر يحيى بوعزيز في كتابه الجزائر في القرنين 19 و 20 عن كتاب نشره أحد أفراد عائلة بن قانة في الصحافة الفرنسية حول اتهام علي باي زعيم بوعكاز في التسبب في إثارة بعض المشاكل، التي أدت إلى نشوب هذه الثورة و السبب في توجيه هذا الاتهام هو الإساءة إلى سمعة بوعكاز وإظهار عجزهم في الحكم، وقد سمحت هذه الإدعاءات والشكوك التي حاولت الصحافة الأوربية (Liberté) حبكها في محاولة لإظهار الدوافع الحقيقية لثورة البوازيد ،إلا أن هذه المحاولات وحسب رأي أجرون لم تخرج عن نطاق الوصف الخيالي واللامعقول، لينتهي مصير هذه المحاولات في المحاكم ،كما حدث لجريدة (Zéramma ).
ورغم كل ذلك فإن هناك بعض الجرائد التي استطاعت أن تعطي نظرة حقيقية لما يحدث، وذلك ما ذهبت إليه جريدة (Des Déats) التي نشرت مقال لـ Ismaël urbain حيث ذكر فيه " أن فكرة التعصب هي فكرة مستبعدة ،حيث اعتبره مبررا، لكنه لا يمكن له أن يرتقي إلى درجة السببية ،كما اعتبر أن التخطيط لثورة من طرف شخص واحد هو أمر مثير للشبهة ،وأعتبر أن التنافس القائم بين العائلات من أهم أسباب التوتر " .
4- أما شانزي فقد أرجع أسباب ثورة العامري إلى عمق الواقع اليومي لسكان الواحة ،كما أكد على أنها حركة معزولة "إن الحيرة الصامتة التي تعيشها العديد من القبائل مجسدة في سذاجة الالتفاف حول المعلومات الكاذبة والإشاعات الرائجة وإلى موقف بعض الطرق الدينية من كل ذلك ،كما أرجع هذه الأسباب وذلك في تصريح له في جوان 1876، حيث حذر وزير الداخلية من نشوب المزيد من الاضطرابات وذلك بسبب سوء تقدير القوة التي تتوفر عليها السلطة ،وإلى الصرامة المتزايدة للقمع المسلط على السكان، وقد شرح الجنرال ( Bressoles) ذلك بقوله :"أنه لا ينبغي أن نعجب من محاولة تعلق القبائل بأماني انتصار ثوار الجنوب ،فهذه الأماني نتيجة اضطرارها لتحمل أعباء الاستحواذ على أملاكها العقارية ،فهي تخشى وصول اليوم الذي ترغم فيه على مغادرة أراضيها ... و باختصار فإن موقف العسكر، هو الدسائس والصراعات التي تحرك الصفوف إليها لم تكن لتجد مكانا لها في أعماق القلوب لو لم تكن الثورة قد سكنتها من قبل " .
5- عمل الإدارة الفرنسية على رفع الضرائب و قد أوكلت مهمة تحصيلها إلى القايد بولخراص ،الذي كان متسلطا على السكان، إضافة إلى معاملته السيئة لهم ،وقد عبرت جريدة (La Vige Algérienne) عن ثقل هذه الضرائب الصادرة في 23 مارس1882 بمقال بعنوان صرخة إنذار (Cri Alarme) " لن نكون مبالغين إذا قلنا أنه لو طبق هذا الأسلوب الاستنزافي ،على بلد أوروبي ،ولو كان من أغنى البلدان ،فإن مرور سنوات قليلة يكفي لإحلال البؤس التام به" .
6- الكره و العداء الذي كان يكنه الشيخ أمحمد يحيى منذ 1875 للسلطات الاستعمارية و لأعوانها، و ذلك بعد مقتل أخيه الأكبر مسعود الذي كان قاضيا في مدينة بسكرة-في ظروف غامضة في منزل الوكيل بالقاسم بن خمار-و قد شاع بين الناس أن القائد محمد الصغير بن قانة هو من أمر بدس السم له، كما تؤكد المراجع على أنه قتل مسموما فتألم أمحمد يحيى كثيرا لمقتل أخيه و قرر أن يأخذ بثأره من هؤلاء الخونة، ومما يرجح مقتل القاضي مسعود مسموما هو قيام السلطات الفرنسية بعزل الضابط كروزي(Crouzet)و تعيين مكانه جليز( Gellez)، الذي أصدر قرارا في 29 نوفمبر 1875 باعتقال أمحمد يحيى استجابة لرغبة بولخراص و سمح للقرار أن يطبق.
كما انه تحالف مع علي باي وبدأ بالتحضير للثورة بشكل سري ،وقد أكد الجنرال كارتيري ،أن دافع الانتقام هو من بين أهم أسباب الثورة ،ولكن الحاكم العام شانزي لم يقتنع بهذا التحليل، وبرره إلى ميل الجنرالين إلى القبول برواية بن قانة والتي كان الهدف منها الإطاحة بعلي باي ،وهذا الاتهام يدخل ضمن حلقات الصراع بين العائلتين لا أكثر ولا أقل ،وما دعم شكوك الحاكم العام هو بقاء قوات علي باي في مكانها المحدد لها طوال فترة الثورة ،وهذا أكبر دليل على بطلان هذا التحالف .
7- الرسالة التي بعثها سكان بسكرة، و المناطق المجاورة إلى الحاكم العام الفرنسي بالجزائر في شهر جوان 1875 ،حيث اشتكوا له ظلم و غطرسة بولخراص بن قانة، إضافة إلى تجبر الضابط الفرنسي كروزي فاتهم بولخراص بن قانة كاتبه أمحمد يحيى صاحب فكرة تحرير الرسالة للأهالي، و تم إلقاء القبض عليه و ترحيله إلى مركز القيادة ببسكرة ،حيث حقق معه الضابط لوفروولكن نتيجة التحقيق أسفرت عن براءته، و على الرغم من براءته إلا أن بولخراص ظل ناقما عليه و طلب منه الاستقالة منبه، لكن الشيخ أمحمد يحيى أصر على مواصلة ممارسة مهامه ككاتب حيث أنه عندما دعا بولخراص أمحمد يحيى إلى بسكرة رفض الامتثال لأوامره خوفا من أن يلقى مصير أخيه .
المبحث الثالث: مجـريات الثـورة
بعد رفض أمحمد يحيى تلبية دعوة بولخراص إلى بسكرة ،وجه له هذا الأخير دعوة ثانية، بعد أن قدم له الضمانات الكافية لسلامته، فاتجه إلى بسكرة و اجتمع كل من أمحمد يحيى و بولخراص و الضابط جيليز ،و تناقشوا في العديد من المسائل التي كانت سببا في إشعال نار الخلاف بين القائد بولخراص و كاتبه، و بعد هذا الاجتماع تنفس جيليز الصعداء ظنا منه أنه قضى على الخلافات ،و أن الأمور ستعود إلى نصابها من جديد و لكن الذي حدث هو أنه بعد عودة أمحمد يحيى إلى أولاد بوزيد شرع في دعوة البوازيد إلى الوئام لأنه كانت هناك انقسامات في صفوفهم ، وقد تمكن أمحمد يحيى من التوفيق بين مختلف الأطراف ،كما أصبح بحكم الأمر الواقع شيخ للقبيلة ، كما حثهم على إعلان الثورة .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يقم الحاكم العام الفرنسي باعتقال أمحمد يحيى عندما أتى إليه في بسكرة رغم إصداره قرار اعتقاله في 29 نوفمبر 1875؟
وقد وجد أمحمد يحى في رجل الدين أحمد بن عياش قوة دعائية لثورته، فاستطاع هذا الأخير أن يوحد صفوف الأهالي و يجندهم و يبدد خلافاتهم الهامشية ،هذه الخلافات التي زرعها الاستعمار من أجل بث التفرقة قصد إضعافهم، و بذلك اندلعت الثورة في واحة العامري 2.
و عندما علمت السلطات الاستعمارية بأمر الثورة ،سارعت إلى الواحة قصد القضاء عليها قبل أن يشتعل لهيبها و يصعب إخمادها، فعملت في بادئ الأمر على سياسة التفرقة و ذلك بزرع الدسائس و الفتـن في أوساط الأهـالي و الإساءة إلى كل من أمحمـد يحيى و بن عياش ،و إظهار نواياهم في القضاء عليهم و تدميرهم و السير بهم إلى مصير مظلم 3.
كما طلب الحاكم جيليز من بولخراص أن يرسل له تقريرا يتضمن تفاصيل ما يحدث في واحة العامري، فأجابه أن البوازيد مخلصون للسلطة الفرنسية و أن اجتماعاتهم كانت من أجل طلب الغيث(صلاة الاستسقاء) و ليس الغرض منها الثورة .
إلا أن الضابط جيليز لم يقتنع بتقرير بولخراص ، وذلك بسبب ما أخبره به أحمد باي قائد أولاد زكري، عن تذمر أولاد بوزيد و عزمهم على إعلان الثورة و قد أخبر جيليز كل من الجنرال كارتيري و لوفرو عن مخاوفه قبل انطلاق الحملة على تقرت.
وعلى الرغم من استجابة أولاد بوزيد لطلب الجنرال كارتيري في المساعدة لاقتحام مدينة تقرت ،حيث وصلت قوات البوازيد إلى بسكرة في وقتها المحدد للمشاركة في الحملة(على الرغم من عزمهم على إعلان التمرد).
و في صباح 08 مارس 1876 توجهت القوات الفرنسية رفقة البوازيد إلى تقرت و ما إن وصلوا "مراير" حتى انفصلوا عنه و كان ذلك في 11 مارس ،1876و حاولوا استغلال فرصة انفرادهم بالجنرال كارتيري و الهجوم عليه و على قواته في واد ريغ لكنه تفطن لنية البوازيد فاضطر للعودة أدراجه .
وبعد هذه الحادثة أعلن الحاكم العسكري لتقرت أن عرش لبازيد في حالة عصيان ،ولابد على فرنسا أن تسرع في اتخاذ التدابير اللازمة لإخماد هذه الثورة ،قبل أن يمتد لهيبها إلى المناطق المجاورة للعامري ،وتصعب السيطرة عليها .
وفي 26 مارس 1876 ،وردت إلى مقر الحكومة العامة أخبار عن بداية انتفاضة قبيلة لبازيد البدوية ،وذلك بزعامة مرابط مجهول لدينا ،وقد عجز قائد المنطقة بن قانة في إحكام السيطرة على الوضع ، فالمنطقة إلى غاية هذه الفترة بقيت بعيدة عن التخطيط لأي ثورة وذلك بسبب القمع الشديد الذي تعرضت له ثورة1871 ،إلا أن العداء القائم بين آل بن قانة وعائلة بو عكاز (علي باي) ،هو الذي دفع بعودة الاضطرابات من جديد .
و بعد هذه الحادثة تأكدت البداية الحقيقية للثورة ،خاصة بعد أن أكدها القائد بولخراص للضابط لوفرو و كان ذلك في 19 مارس، كما حمله لوفرو كامل المسؤولية، و اتهمه بالعجز عن رصد كل ما يحدث من حوله، كما أبلغ الجنرال كارتيري بالمستجدات التي حدثت في المنطقة و بالاستعدادات التي قام بها كل من الزعيمين أمحمد يحيى و أحمد بن عياش، و اتصالهما بشيوخ القبائل المجاورة لهم، و قد نجح في كسب دعم قبيلة المسالمية وسيدي سليمان ،و الشيخ بن داح شيخ قبائل الجبابرة، والشيخ مبروك بن بريكة شيخ أولاد داود و الشيخ محمد بلحاج بن سالم و الشيخ علي بن ريش شيخ زاوية متليلي ، بهدف تحطيم نفوذ و سيطرة فرنسا وأعوانها من عائلة بن قانة .
و بهذا قرر لوفرو اللجوء إلى الحيلة و الخداع مرة ثانية، فحاول استمالة الشيخ أمحمد يحيى و استدراجه إلى بسكرة، قصد القضاء عليه و التخلص منه و على انتفاضته متجاهلا و ككل مرة أن الثورة لا يقودها الأشخاص بل الأهداف و المبادئ.
فراسله يطلب منه القدوم إلى بسكرة، قصد التحاور معه ،لإيجاد حل للمشاكل العالقة بشكل سلمي، لكن أمحمد يحيى تنبه للمكيدة المدبرة ضده فرد عليه بالرفض، بحجة أن البوازيد يرفضون ذهابه خوفا على حياته .
كما أن بولخراص رفض التنقل إلى واحة العامري خوفا على حياته، لذلك قرر لوفرو التنقل بنفسه إلى الواحة في 28مارس 1876، قصد التفاوض مع أعيان عرش البوازيد ، أثناء مروره بطولقة على رأس فرقة صغيرة ،استقبله الأهالي ببرودة و تذمر شديدين ، فطلب من الشيخ عثمان بن علي، شيخ زاوية طولقة، مرافقته إلى واحة العامري قصد التوسط بينه و بين أمحمد يحيى.
وبمجرد اقتراب لوفرو من الواحة ، أحاط به مسلحون من البوازيد يتزعمهم أمحمد يحيى ، فطلب لوفرو من قائد عرش البوازيد التريث ومعالجة الأمور بطرق سلمية ،لكن محمد بن يحيى طلب منه التراجع، وإعطاء له فرصة ليتشاور مع أعيان الواحة قائلا :"اذهب إلى السهل مع فرسانك وسأجيبكم "، وقد كان التهديد مستترا في كلام أمحمد يحيى ، وهذا الذي لم يستحسنه لوفرو لأنه بها أصبح يرى الأدوار تعكس .
كما أنه تفطن لخطة أولاد بوزيد بمحاولة إغتياله ،فقاموا بمحاصرته،وقطع سبل العودة أمامه . فلجأ إلى زاوية طولقة واحتمى بها ،حيث قام بإرسال الرسل إلى القائد الحاج بن قانة الذي كان في أورلال طالبا النجدة ،و بقي محتميا في الزاوية إلى أن وصلت قوات الإغاثة ،و عاد من مهمته تحت حراسة عسكرية مشددة ليلا.وعند عودته إلى بسكرة قدم تقريرا عن مهمته إلى الحاكم العام جيليز ،حيث طلب فيه من الحكومة عزل البوازيد عمن حولهم لتجنب إنتشار لهيب الثورة .
وفي 30مارس1876 أرسل شيخ الزاوية رسالة إلى أمحمد يحيى ، يطلب فيها منه الحضور، لكن الرسول عاد ليخبرهم أن الوقت قد فات و أن الثورة قد اندلعت و اشتعل لهيبها ،و أنه لم يعد هناك أي مجال للتفاوض أو الحوار كما أنبأهم بأن بن عياش و رجاله قد أغاروا على المنازل و الخيام للمناطق القريبة من طولقة، و هم الآن متمركزون في السهل الممتد بين طولقة و فرفار . و في هذه الأثناء بدأ الجنرال كارتيري بتجهيز قواته للسير إلى واحة العامري ،من جهة أخرى قام الزعيم أمحمد يحيى بجمع السلاح و تعبئة كل الطاقات، كما أن داعيته بن عياش قام بحمل علم أخضر (رمز الجهاد) و بدأ يحث الناس على حمل السلاح و الصمود لتخليص البلاد من الأعداء ،فاستجاب البوزيد و المناطق المجاورة للنداء .
وفي3أفريل 1876منح لوفرو للبوازيد مدة 5أيام للعدول عن أمر الثورة ،كما كلف بن قانة بتبليغهم الرسالة التالية " سوف أحاول إخبار السكان أنهم آيلون لا محالة إلى طريق مسدود وإنهم إذا استسلموا بدون قتال سينجون من 14قطعة مدفع مصوبة نحوهم وبنادق 2000جندي ستدك بيوتهم " .
وقد وصلت إلى بسكرة يوم 2أفريل أربع سرايا مشاة بمجموع 440رجلا لتتوجه هذا الصباح من بسكرة ،ليصبح مجموعها6 سرايا وكانت تحت قيادة كارتيري القادم من قسنطينة.أما قوات السيد (Dubuch) ،والمكونة من كتيبة للمشاة المقاتلين فوج لمدفعية الميدان و3فرق للفرسان ،وفوج للمقاتلين الجزائريين ، 44من البغال التي تحمل الغذاء ،و122من الحيوانات التي تحمل الإمدادات والأمتعة ووصلت هذه القوات في 6أفريل1876 .
وبعد انقضاء المدة التي منحت للبوازيد للعدول عن موقفهم ،تحركت هذه القوات و عسكرت في مليلي وفي 9 أفريل وصلت إلى بوشقرون وفي 10 من نفس الشهر عسكرت بالقرب من الولي سيدي رحال ،بالقرب من فوغالة
و في صباح يوم 11 أفريل 1876 اتجهت هذه القوات نحو واحة العامري الذي خرج فرسانها لرد الهجوم وعلى الساعة السابعة اندلعت المواجهة الحاسمة بين الطرفين ،حيث بلغت قوات العدو 2200 جندي و حوالي 800 من المشاة و 200 خياله و فرقة من مدفعية الجبال و عناصر من القومية بقياد بن قانة وكانت مكونة من عرب الشراقة وقد كانوا مترددين كثيرا في مهاجمة إخوانهم من البوازيد بالرغم من تشجيع رؤسائهم ولكن في الأخير قرروا الانضمام إلى صفوف لبازيد .
وتمثلت أوامر الجنرال كارتيري فيما يلي : "خذوا مواقع ممتازة ،دون أن تبتعدوا عن العامري مع بقاء الاتصال بمدينة بسكرة ،وحاولوا تجنب كل استعراض للقوة عند مروركم بالواحات ،حيث يتحصن العدو ويدافع وراء الجدران والنخيل وراقبوا دائما ضواحي العامري ،واطلبوا مساعدة القوات القومية الذين انتم متأكدون من ولائها ،،حيث يقوم هؤلاء القومية باستيلائهم على بعض ما سيصادر ،وأعلموا البدو والرحل أنهم لا يمكنهم التنقل إلى التل حتى يعاد الأمن . وهكذا لن يصمد هؤلاء الخارجون عن القانون طويلا، وهم متحصنون بالعامري" .
و زحفت هذه العساكر صوب واحة العامري، و تمركزت بالقرب من القرية على مرتفعات تمكنهم من مراقبتها ،و هي كدية ميمون شرقا و طبانة شمالا و ذراع بلمسيس غربا و دام الحصار طويلا ،حيث قرر الثوار نقل المعركة بعيدا عن القرية حفاظا على الأهالي و المساكن و البساتين ،و قد قدرت قوات الثوار بحوالي 1000 فارس و 2000 من المشاة .
و نشبت معركة طاحنة بين الطرفين، و قد ذكرت بعض المصادر أن الهجوم الفرنسي استمر من الساعة 8إلى الساعة10والنصف، وأكدت على أن القائد أمحمد يحيى قد استشهد في أولها ،كما استشهد 50 آخرين من المجاهدين و جرح الداعية بن عياش، كما تم جرح و قتل عدد كبير من القوات الفرنسية. و أمام هذه التطورات عقد مجلس حربي في الواحة ،حيث أصر الزعماء على مواصلة المقاومة، على الرغم من الخسائر التي مني بها الثوار، إلا أن أغلبيتهم صمموا على مواصلة الجهاد،حيث قال بن عياش "أنا مستعد لأن أموت ألف مرة على أن أسلم علم الثورة للفرنسيين ".
كما أن العدو فرض عليهم حصارا فاعتصم الثوار داخل الواحة مدافعين عنها رافضين الاستسلام.
ومن أسباب الفشل هي :
1. عدم احترام الثوار للخطة الموضوعة.
2. القصف العشوائي لفرنسا الذي أربك صفوف الثوار.
3. مساعدة القوم والقياد لفرنسا وتزويدها بمعلومات هامة عن الواحة،وعن أساليب القتال عند البوازيد .
نجاح الحصار نظرا للموقع المفتوح للواحة ،مما أجبر الثوار على الاحتماء بقصر العامري ،وتمكن فرنسا من السيطرة على مجريات المعركة .
أما أيام 12و13 أفريل فقد تضمنت نشاطا للدوريات الذي قادها العدو ليتمكن من رصد الخسائر التي ألحقت بالثوار .
و في 14 أفريل 1876 استغل الثوار فرصة هبوب عواصف رملية شديدة وقاموا بالهجوم مرة أخرى ،وذلك من الساعة السابعة عشر والنصف إلى الساعة الثانية والعشرون ،و اقتحموا مخيما للفرنسيين بكل عزيمة و إيمان، و تمكنوا من خلال هذا الهجوم من جرح 3 ضباط فرنسيين ،إضافة إلى جرح بن قانة قائد قوم بسكرة، و قتل 27 جندي فرنسي و 4 من الخونة و جرح ثلاثة آخرين،وقد عرف هذا الهجوم بليلة "الزدمة" أو "الخدعة في جنان الرومي" .
وفي 20أفريل اشتبك الثوار مع قوات العدو، الذي فضل التمركز في المعتقل في انتظار وصول المساعدات ،وقد استغل الثوار حالة الارتباك التي تخللت صفوف العدو
الذي كان في فترة تناول وجبة العشاء والذي سهل للثوار عملية الهجوم هو سي المكي بن عيسى الذي كان مدربا في الجيش الفرنسي وكان يفرق بين نغمات الأبواق ،فما إن عزفت نغمة العشاء حتى أمر الثوار بالهجوم، إلا أن هذا الهجوم لم يحقق أي نجاح.
وأمام هذا الحصار رأى زعماء الواحة ، ضرورة طلب الإعانة من الواحات المجاورة و بدأ بن عياش الزعيم الروحي للثورة في كتابة الرسائل إلى زعماء القبائل المجاورة طالبا منهم العون و المساعدة. ووصلت النجدات من أنحاء الزيبان ،حيث بلغت 500 متطوع، و هذا ما بعث الخوف في نفس الجنرال كارتري من حدوث ثورة عارمة فأرسل في طلب تعزيزات من بوسعادة و قسنطينة ،كما أنه أحكم الحصار على الواحة في انتظار وصول النجدات،وقد دام هذا الحصار حوالي شهر أكثرت فيه فرنسا من القصف العشوائي على الواحة .
و في 22 أفريل 1876 وصلت الإمدادات العسكرية للجيش الفرنسي الآتية من عدة مناطق، بما فيها القبائل الموالية للقوا ت الاستعمارية ،فوصلت قوات قسنطينة بقيادة العقيد ناروي (Narrue).الذي تمركز شرق الواحـة ،إضافة إلى قوات القومية القادمة من بريكة .
و في 24 أفريل وصلت قوات من بوسعادة بقيادة روكبرون (Roquebrune) و عسكرت كل قوة في المكان المخصص لها حسب الخطة الموضوعة، و قد أحاطت هذه القوات بالواحة من الشمال و الغرب بينما من الجنوب حاصرتها قوات القومية،التي تضمنت 320من الخيول .
وفي 27 أفريل شرعت القوات الفرنسية بقصف الواحة من الجهات الثلاث للواحة كما تم استعمال 14 مدفعا ،وقد استمر القصف العشوائي لمدافع العدو إلى غاية 29 أفريل، فتضرر الثوار المحتمين في القصر كثيرا من هذا القصف ، فلم يسلم العباد و الدور وحتى أشجار النخيل ،وأمام هذا الخناق القاتل الذي فرض على الواحة ومن بداخلها ،وبعد ثلاثة أيام من القصف المتواصل أجبر المقاومون على الاستسلام ، وأصبح مطلبهم الوحيد هو النجاة بأرواحهم .
المبحث الرابع : العقوبات التي فرضت على الواحة
بعد الهزيمة تكون وسائل الانتقام عند الاستعمار وأعوانه واحدة في كل زمان ومكان، وبعد كل انتفاضة يلجأ الاستعمار إلى السلب التدمير والتهجير والتشريد ،واستعمال جميع الوسائل التي يمكن أن تمنع المقاومة من الظهور مرة أخرى ،فباستسلام الثوار و انتهاء المعركة بدأت فرنسا بتسليط أبشع و أقسى العقوبات على الواحة و سكانها فقاموا بتخريبها بشكل كامل كما اقترفوا أبشع الجرائم من هدم المنازل و حرق الأشجار و قطع النخيل ،على غرار ما فعله هربيون بواحة الزعاطشة،ولكن هذه المرة بشعار جديد ويل للمهزومين .ومن الإجراءات التي اتخذها الاستعمار مايلي :
1- فرض غرامة مالية مضاعفة بـ 8 مرات للضريبة السنوية المعتاد دفعها وذلك بموجب القانون الصادر في الجريدة الرسمية في 12اوت 1876، حيث فاقت 150.000 فرنك كما أرغمتهم على تسليم 1122 بندقية، إلا أنهم لم يتمكنوا من تسليم سوى 452 بندقية . و أمام عجزهم عن تسليم الكمية المحددة ألزمتهم بدفع غرامة مالية قدرها 45200 فرنك، كما شملت الغرامات بعض القبائل المساندة و المتعاطفة مع الواحة و قد قدرت بـ44200 فرنك ،كما فرضت عليهم ضريبة حرب قدرت 000 100 فرنك ،تدفع في مدة لا تتجاوز 4 سنوات .
أما قوات القبائل المجــاورة التي ساعدت الثورة فقد تقرر أن تدفع غرامــة قدرها
100 50 فرنك مقابل البنادق التي لم تسلم وعددها 501 بندقية . إضافة إلى دفع دية مقدرة ب6000فرنك للقوات القومية التي قتلت أثناء الاجتياح ودفع 3000فرنك مقابل ما قتل من خيول .
2- مصادرة الأملاك العقارية، و نهب الأثاث المنزلي و المؤن و المصوغات بمختلف أنواعها، كما قامت السلطات الفرنسية ببيعها لأعوانها و أصدقائها فيما بعد، كما أمرت بمصادرة نخيل واحة العامري و فوغالة ،حيث قدر التقرير العسكري المؤرخ في 21جويلية 1876 أن قيمة الممتلكات المصادرة لعرش لبازيد تم استخلاصها كما يلي : العامري 337 نخلة وفوغالة 1810 نخلة والبرج وداران 144نخلة بإضافة إلى 510جملا وبعض الأغنام والماعز ، فقدرت الأملاك المستخلصة بـ72000 نخلة و المواشي و الخيول كما استولت على 700 خيمة و 5000 من الغنم و ما يزيد عن 4000 من الإبل .وقد منحت بعض هذه الممتلكات المصادرة لعرب الغرابة أعداء لبازيد بعد مساندتهم للقوات الفرنسية ،في القضاء على الثورة ،كامتياز لهم .
3- استشهاد 400 مجاهد من بينهم قائد المعركة أمحمد يحيى و مصادرة سلاحه و جوداه و بيعها بالمزاد العلني أمام محكمة طولقة بثمن قدره بـ4 دوروه، و قد اشتراها بولخراص شيخ قرية أوماش .
4- تشريد و تشتيت فروع البوازيد الأربعة قصد إضعافهم و التخلص من خطرهم فنفى الجبابرة إلى تيارت ،وأولاد إدريس إلى ولاية المسيلة ،وأولاد أيوب إلى تبسة وأولاد سعود إلى بريكة ، كما نفي البعض منهم إلى سبيطلة (تونس) شرقا و إلى تيهرت و التل الوهراني وفاس والدار البيضاء غربا و بمنطقة القبائل الكبرى يوجد هناك قرية البوازيد و سكانها يطلق عليهم ايبوزيدن –كما نفي البعض منهم إلى منطقة قرب جيجل ،ويطلق عليهم في الوقت الحالي بني فوغال ،كما نفيت جماعات أخرى إلى شاطودان ، و من بين الأعوان اللذين تولوا مهمة نقل البوازيد إلى الغرب الجزائري أوزلاقن و الباشا أغا ابن علي الشريف ،كما تم نفي قادة المعركة إلى كل من جزيرة كيان وكورسيكا ،ولم يبقى في الواحة إلا 18 عائلة كان أربابها في سفر فلم تثبت ضدهم أي تهمة .
وقد تعرضت العائلات أثناء حملة تهجيرها إلى مجاعات قاسية و أزمات اقتصادية فتاكة ،حيث صرح قائد منطقة سطيف قائلا :"منذ انتهاء حملة الحصاد أصبح المنفيون عاجزون في أغلب الأحيان عن الحصول على ما يسدون به رمقهم ،إلا ما يقدم لهم من صدقات ...ولهذا نقترح على الإدارة العسكرية ،استقدام هؤلاء إلى أقبوا (القبائل ) للعمل كأجراء لدى الكولون هناك "وقد تحدث أجرون ( Ageron)عن دور هؤلاء في تخطيط لغليان شعبي جديد لرد الاعتبار بعد الإهانة التي تعرضوا لها فيقول "وفور اعتقادهم أنهم في مأمن من الرقباء يتحدثون عن ثورة سوف تحطم المسيحيين في ظرف شهرين ".
كما أن أولاد سعود وأولاد زيد أحمد المنفيون إلى بريكة لم يكن بإمكانهما البقاء في بريكة ،وذلك بسبب فقر المراعي هناك وأيضا للقرب الكبير من العامري وفوغالة ،ولذلك تم إرسالهم إلى أولاد بوعون دائرة باتنة .
أما المنفيون لمنطقة القالة فإنهم وبعد نهاية موسم الحصاد لم يجدوا ما يسد رمقهم لذلك
قام الحاكم العسكري للمنطقة بتوزيعهم في المناطق المجاورة ،أما الضابط المكلف بالشؤون الأهلية بجيجل فيقول حول هذه المسألة :"... لم يظهر حتى الآن أي تصرف مشين من قبلهم وأن أوضاعهم المادية تحسنت فأغلبهم مستعملين كخدم من طرف الأعيان المكلفين بمراقبتهم" .
أما عرش الجبابرة فكانت الوجهة المسطرة له هي منطقة الغرب ، حيث أنهم لم يتمكنوا من العيش في المنطقة ،وهذا ما دفع بهم إلى الفرار للمناطق المجاورة للقطاع الوهراني، ويقول في هذا الصدد الحاكم العسكري لوهران :"إن بيوت لبازيد التي نقلت إلى الغرب ،قد فر البعض منها إلى موطنها الأصلي " .وقد أحصى التقرير المؤرخ في 18جوان 1882 عدد العائلات الماكثة في منطقة وهران ب133 عائلة ،وهي موزعة كالتالي 54: عائلة في دائرة سعيدة و53عائلة في معسكر و6عائلات في تيارت .
وفي 10جوان 1879 استفاد البازيد من قرار الحاكم العام العفو على الأشخاص الذين كانوا يعملون في الجيش خلال حدوث التمرد أو يعملون في الخدمة العامة ،و الذين يملكون مبررا بعدم وجودهم في الجزائر خلال التمرد .
كما أنه في سنة 1879 تمت أول عملية بيع لواحة العامري ،وكانت المزايدة التي حدثت تشمل قطع منفصلة لكنها فشلت لعدم حضور أي مشتري ،وذلك تضامنا مع أصحاب الواحة الأصلين .
وفي 3نوفمبر1879 أقيمت ثاني عملية بيع على أساس الواحة كاملة ،وتمت عملية البيع لصالح السيد (Forciolle Treille) و السيدة (Sarradin) وهما من المعمرين .
وفي 7 أوت 1890 ، تم العفو عن مجموعات البوازيد المتواجدين في التل وسمح لهم بالعودة إلى الزيبان. ووزعت عليهم أراضي للحرث في منطقة الدوسن.
و قد خيروا بين شراء البساتين أو الدور فاختاروا الثانية ، و بقيت البساتين بيد المعمرين اللذين سخروا الأهالي لخدمتها تحت الذل و الهوان كما أجبروا على ممارسة حياة الرعي و الخماسة في ممتلكاتهم ،كما أجبرتهم على ممارسة أعمال السخرة و المتمثلة في شق الطرقات و تعبيدها منها الطريق الرابط بين باتنة و بسكرة .
وفي سنة l922، قدم البوازيد التماسا يطالبون فيه رفع الحراسة القضائية عليهم. وفي سنة 1917 قاموا بإجراء اتصالات مع السيد ترايل قصد إعادة شراء نخيلهم ، وذلك بواسطة بن قانة.وقد طلب السيد ترايل قيمة 150.000 فرنك ، لكن البوازيد لم يكن بإمكانهم جمع غير 100.000 فرنك، ويبدو أن العملية فشلت لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على قرض 50.000 فرنك الباقية. وقد تم شراء واحة فوغالة من طرف نفس السيد ثم انتقلت الملكية إلى السيد (Bchère) وذلك بعد تصفيتها.
5- إلقاء القبض على الزعيم الديني للمقاومة ابن عياش بعد إصابته بجروح خطيرة رفقة 91 مجاهدا آخر أين عرضوا على محكمة عسكرية فأصدرت حكم الإعدام رميا بالرصاص بحق كل من ابن عياش ، كما أمرت بسجن 68 ثائرا وتوزيعهم على سجون مختلفة في منطقة الشرق الجزائري.كما أصدرت قرار النفي في حق 91مجاهدا إلى كورسيكا .
6- عزل الخائنين علي باي ومحمد ابن إدريس آغا تقرت و ورقلة ،الأول لعجزه عن الدفاع عن تقرت ضد بوشوشة 1872 ،وقد أصدر قرار تجريده من جميع وظائفه في أفريل 1877، و الثاني رغم ولائه الأعمى لها و تمكنه من القضاء على حركة بوشوشة ووقوفه في وجه الزاوية التيجانية ،إلا أن العقيد نولا اتهمه بالخيانة و الكذب فتم إبعاده وعندما انتصرت الزاوية التيجانية عليه و على أولاد بن قانة تخلت القوات الفرنسية عن حلفائها التقليديين وحاولت التقرب من الزاوية التيجانية تحت شعارها المعتاد" نحن مع الأقوى " ،هذا بالإضافة إلى تقسيم أعراش لبازيد والزيبان والهدف من هذا التقسيم هو إضعاف سلطة بن قانة وتقوية نفوذ بن شنوف.
7- بتاريخ 12أوت1876 أصدرت السلطات الفرنسية قرارا تم نشره في الجريدة الرسمية و يتضمن هذا القرار استخلاص الأموال المحصل عليها من واحة العامري و تتم كالآتي:
أ- الأموال المحصل عليها من طرف الفرنسيين كعقاب لسكان واحة العامري و توضع هذه الأموال في صندوق خاص .
ب- كل فرد من سكان واحة العامري اغتصبت أرضه و أصبح يطالب بها ما عليه إلا شراءها من جديد و بأسعار باهضة من السلطات الفرنسية و يتم دفعها للصندوق السابق ذكره و تصرف أمواله لتعبيد الطريق الرابط بين (توقرت وورقلة) و(بسكرة وباتنة ) كما تستغل هذه الأموال لقمع الثورات الملتهبة.
كما طالب مجلس الجماعة للبازيد من الإدارة الفرنسية في 1906 بشراء ممتلكاتهم السابقة التي قامت فرنسا ببيعها ،ولكن الحاكم العام رفض الطلب وعاود البوازيد المحاولة في 03أفريل1910 بمساعدة الحاكم العسكري لتوقرت فكان رد الحاكم العام "إنه على لبازيد الرجوع إلى الذين اشتروا تلك الممتلكات والتفاهم معهم وإن الإدارة تمتنع مستقبلا عن تقديم أي رد حول هذا الطلب ".
8-تشتيت السكان على مناطق متباعدة وذلك بغرض تفكيك الرباط القبلي والاجتماعي، وتضرر الكثير من الأسر بفعل النفي الاضطراري وعدم قدرة أفرادها على التواصل، ومنهم من مازال حتى اليوم .
9- كما أنه صدر مرسوم في 30جوان1876 لإنهاء حكم الجيش وسيطرته على المناطق الساحلية من الجزائر وإلحاق هذه الناحية بالوزارات المختلفة في باريس ،نتيجة عجزه في الكثير من المرات في القضاء على الثورات الشعبية لولا مساعدة فرق القومية له رغم التطور العسكري الكبير له.، ولكن الهدف الحقيقي من هذا التحويل هو إدماج الجزائر بفرنسا وجعلها مقاطعة فرنسية، وذلك لإتاحة فرصة للجالية الأوربية بالجزائر لتفرض وجودها على الحاكم العام بالجزائر، وتوجه أمور البلاد حسب مصالحها دون الظهور على الساحة.
لقد تصدى سكان واحة العامري للاستعمار الفرنسي ولحملاته الشرسة وذلك على الرغم من الصعوبات والمضايقات التي تعرضوا لها ،كما أنهم حملوا لواء الجهاد وثورة بدء بزعيمها الروحي بن عياش .
وحقيقة أنه لم يكتب لها النجاح وتحقيق النصر وذلك لعدة ظروف إلا أنها تمكنت وبقلة حجمها من أن ترعب صفوف العدو في الكثير من المرات وأثبتت وبشكل لا يدعو لشك أنه عندما يتعلق الأمر بدفاع عن الأرض والعرض فإن الدفاع يكون مستميت .
عدل سابقا من قبل dendani في الخميس يونيو 16 2011, 11:23 عدل 3 مرات