http://kacimi.wordpress.com/2007/11/22/alhama
من المعالم الحضارية والصروح الثقافية التي تزخر بها بلادنا, والتي يحق لها أن تفتخر بها وتتباهى: زاوية الهامل.
فهي من المؤسسات العلمية التي أنشئت في منتصف القرن التاسع عشر, وأدت دورا هاما وأساسيا في المحافظة على أصالة وقيم هذا الشعب الدينية والروحية والثقافية. والتي قال عنها الباحث الفرنسي الكبير الأستاذ جاك بيرك: “إن تاريخ زاوية الهامل يهم تاريخ المغرب بأسره, من حيث المجهود الذي بذلته بكل عزم في زمن الاستعمار, وذلك باستنهاض القيم الروحية والاجتماعية التي تقوم مقام ملجأ للناس”.
تقع هذه الزاوية المباركة المجاهدة, على بعد حوالي 250كم جنوب الجزائر العاصمة, بالقرب من مدينة بوسعادة المدينة السياحية المعروفة.
أسسها الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي, وهو من كبار رجالات التصوف والعلم بالجزائر في منتصف القرن التاسع عشر, تم تأسيسها في ظروف صعبة, بعد التشديد على المدارس القرآنية والزوايا والضغط عليها, وعدم السماح بإنشاء هذا النوع من المؤسسات الذي تفطنت السلطات الاستعمارية لخطره, بعد مشاركة الزوايا والطرق الصوفية في معظم الثورات التي قامت ضد المحتل الأجنبي, بل نجد أن معظم الثورات كان قادتها هم شيوخ زوايا وزعماء طرق صوفية, فهناك الشيخ الأمير عبد القادر, بوشوشة, عبد الحفيظ الخنقي 1849, الشريف بوبغلة 1850م, الصادق بن الحاج المصمودي 1859, الشيخ الحداد 1871…
وبالرجوع إلى كتابات الفرنسيين أنفسهم يتجلى لنا دور الزاوية فيتكلم أوغسطين بيرك عن “تطرف الرحمانية التي تسببت في كل الثورات”, ويرى أن “سلطان الطرق الصوفية يغذي دائما التطرف ضد المحتل لدى أتباعهم”.
ويرى أيضا أن نجاح الأمير عبد القادر في التفاف المجاهدين حوله راجع إلى أنه ابن طريقة. ـ وهي حقيقة تنكر لها كثير من باحثينا, أو حاولوا على الأقل تجاهلها وتناسيها لحاجة في نفس يعقوب ـ.
وفي تصريح الضابط الفرنسي دي نوفو: “إن إخوان بن عبد الرحمن يظهرون دائما تعصبا, إنهم متعصبون جدا, إنهم أكثر ابتعادا عن الفرنسيين من بقية الطرق الأخرى”.
والمحتل الفرنسي لم تكن لتغيب عنه مثل هذه الحقائق, ولم يكن من البلاهة أو السذاجة لكي يأمن جانبهم أو يتعامل معهم على أنهم أصدقاء.
لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نتجاهل مثل هذه الحقائق, إذا أردنا حقيقة أن نفهم تاريخنا بشكل صحيح, ماذا يضيرنا إن اعترفنا بها.
وقد أدت هذه الزاوية الرمز أدوارا عدة في تاريخ هذا الشعب المقاوم، علمية دينية ثقافية اجتماعية اقتصادية.
يتناول الكتاب التعريف بهذا المعلم الحضاري, الأدوار التي قامت بها الزاوية الهاملية القاسمية: العلمية، السياسية, الاجتماعية، الثقافية…
منذ نشأتها سنة 1862 إلى غاية الاستقلال، متابعة التطورات والمشاركة في الحياة الاجتماعية, المساهمة في الفعل الحضاري, والمحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية….
الدور العلمي
عملت الزاوية القاسمية على نشر القرآن، وتخرج منها أعداد هائلة من حفظة القرآن من معظم نواحي القطر الجزائري، وفي تقرير للسلطات الفرنسية نجد أن عدد الطلبة سنويا يتراوح بين 200و 300 وهو عدد لا يستهان به مقارنة بالظروف المحيطة آنذاك، وكان يدرسهم حوالي 19 أستاذا، منهم الشيخ إدريس، عاشور، محمد بن عبد الرحمن الديسي، محمد بن الحاج محمد….الخ.
طريقة حفظه هي الطريقة المعروفة في كامل المغرب العربي، بواسطة اللوحة. وهي قطعة من الخشب صغيرة، حجرة الصلصال تمحى بها اللوحة عند حفظ الآيات المكتوبة، الصمغ: المصنوع من الصوف التقليدي والحبر، القلم: وهو مصنوع من القصب المحلي الموجود على ضفاف الوادي.
بعدها ينتقل الطالب إلى تلقي مختلف العلوم الشرعية، فيمكن له الالتحاق بحلقة الفقه أو اللغة أو التفسير طبعا مع احترام البرامج والنظام المطبق داخل الزاوية. وهناك مستويات للأخذ والتلقي: مستوى أول، مستوى ثاني، مستوى أعلى
لقد قدر بعضهم عدد الطلبة في نهاية القرن 19 من 700 إلى 800 طالب، وذكرت التقارير الفرنسية أن عددهم ما بين 200 و 300، وقد نزل هذا العدد فيما بعد إلى 200 طالب (سنة 1940) من بينهم أكثر من 50% يتمتعون بالنظام الداخلي.
وفي رسالة لسيدي محمد قدر عدد الطلبة في نهاية القرن بحوالي ألف طالب، وذكر بذلك أنها تضم عددا أكبر من عدد طلبة جامع الزيتونة بتونس وجامع القرويين بفاس وحتى الأزهر نفسه.
وفي تقرير للسلطات الفرنسية نجد أن عدد الطلبة سنويا يتراوح ما بين ( 200و 300 ) وهو عدد لا يستهان به مقارنة بالظروف المحيطة آنذاك، وكان يدرسهم حوالي 19 أستاذا، منهم الشيخ إدريس، عاشور، محمد بن عبد الرحمن الديسي، محمد بن الحاج محمد….الخ.
هذا في المرحلة الأولى من عمله إذا استطعنا أن نقسم عمله إلى مرحلتين:
1- ما قبل الشيخ المختار: سنوات التكوين الأولى، تأثير المؤسس في أفراد يتبعونه يمدهم بالتماسك أو الديناميكية.
2- ما بعد الشيخ المختار: وهي ما نستطيع تسميته بنمو الجماعة، ونجد هنا اتجاها من المؤسس نحو وضع قواعد تنظيمية للحياة والسلوك.
والتي سماها مدرسة عليا، لأنها لم تكن زاوية بالمعنى الصوفي والاصطلاحي للزاوية، بل كانت دروس تلقى في مسجد القرية قبل إنشاء الزاوية.
وتعتبر هذه المرحلة كمقدمة وتمهيد لما سيأتي من أعمال ومواقف.
وتأسيس الزاوية الحالية 1863 هو المنعطف ونقطة التحول والانطلاق في تطوير العملية التعليمية.
فقد كانت تدرس العلوم والفنون المعروفة في تلك الفترة: الفقه، التفسير، الحديث، النحو والبلاغة.
ازدادت الأمور تعقيدا خصوصا بعد مجيء الحكومة الماسونية 1871 قيام الجمهورية الثالثة، والتي ضيقت الخناق على الزوايا والمدارس الحرة وفرضت القوانين والأحكام الجائرة لمراقبتها والحد من نشاطها.
” توضع المدارس الخاصة الإسلامية- مدرسة قرآنية، مسيد، زاوية، مدرسة تحت مراقبة وتفتيش السلطات المحددة بواسطة قانون 30 أكتوبر 1886. مراقبتها إذا كانت محرضة أم لا ضد الدستور”، وأصبح فتح زاوية يقتضي تصريحا من السلطات الرسمية.
وكانت زاوية الهامل تتمتع بنوع من الحرية المراقبة، وكان عليها أن تعي هذه الحقيقة جيدا وتتعامل مع هذا المعطي بذكاء كي لا تتعرض للإغلاق وتستمر في أداء رسالتها التعليمية الإصلاحية.
إن الحكم على الموقف يتطلب التأمل والنظر في الظروف المحيطة به، إن تأسيس زاوية لتدريس العلوم الشرعية في العهد الاستعماري أمر من الصعوبة بمكان، وتكتنفه مخاطر جمة وعراقيل عظيمة، قد نقول أنها أسست في 1863 قبل صدور قوانين التضييق والإغلاق، لكن مسايرتها للظروف ومحاولة التغلب عليها ونشاطها الخفي السري في مواجهة الاستعمار وتحضير القاعدة الصلبة لمواجهة العدو كل هذا تطلب جهدا جبارا وصبر وشجاعة عظيمين.
وقد كان الأستاذ بنفسه يختار الكتب التي يدرسها ويشرحها لتلامذته، ككتاب الواحدي في التفسير وابن أبي جمرة في الحديث والرسالة القشيرية في التصوف، وقد كان لا يترك الدروس في علوم عديدة من الفقه والتفسير والحديث والنحو والكلام وغير ذلك، أما الفقه فقد كان من سنة 1278 إلى 1288 يتولى درس الفقه بنفسه ثم فوض تدريسه إلى نجباء طلبته….
من المعالم الحضارية والصروح الثقافية التي تزخر بها بلادنا, والتي يحق لها أن تفتخر بها وتتباهى: زاوية الهامل.
فهي من المؤسسات العلمية التي أنشئت في منتصف القرن التاسع عشر, وأدت دورا هاما وأساسيا في المحافظة على أصالة وقيم هذا الشعب الدينية والروحية والثقافية. والتي قال عنها الباحث الفرنسي الكبير الأستاذ جاك بيرك: “إن تاريخ زاوية الهامل يهم تاريخ المغرب بأسره, من حيث المجهود الذي بذلته بكل عزم في زمن الاستعمار, وذلك باستنهاض القيم الروحية والاجتماعية التي تقوم مقام ملجأ للناس”.
تقع هذه الزاوية المباركة المجاهدة, على بعد حوالي 250كم جنوب الجزائر العاصمة, بالقرب من مدينة بوسعادة المدينة السياحية المعروفة.
أسسها الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي, وهو من كبار رجالات التصوف والعلم بالجزائر في منتصف القرن التاسع عشر, تم تأسيسها في ظروف صعبة, بعد التشديد على المدارس القرآنية والزوايا والضغط عليها, وعدم السماح بإنشاء هذا النوع من المؤسسات الذي تفطنت السلطات الاستعمارية لخطره, بعد مشاركة الزوايا والطرق الصوفية في معظم الثورات التي قامت ضد المحتل الأجنبي, بل نجد أن معظم الثورات كان قادتها هم شيوخ زوايا وزعماء طرق صوفية, فهناك الشيخ الأمير عبد القادر, بوشوشة, عبد الحفيظ الخنقي 1849, الشريف بوبغلة 1850م, الصادق بن الحاج المصمودي 1859, الشيخ الحداد 1871…
وبالرجوع إلى كتابات الفرنسيين أنفسهم يتجلى لنا دور الزاوية فيتكلم أوغسطين بيرك عن “تطرف الرحمانية التي تسببت في كل الثورات”, ويرى أن “سلطان الطرق الصوفية يغذي دائما التطرف ضد المحتل لدى أتباعهم”.
ويرى أيضا أن نجاح الأمير عبد القادر في التفاف المجاهدين حوله راجع إلى أنه ابن طريقة. ـ وهي حقيقة تنكر لها كثير من باحثينا, أو حاولوا على الأقل تجاهلها وتناسيها لحاجة في نفس يعقوب ـ.
وفي تصريح الضابط الفرنسي دي نوفو: “إن إخوان بن عبد الرحمن يظهرون دائما تعصبا, إنهم متعصبون جدا, إنهم أكثر ابتعادا عن الفرنسيين من بقية الطرق الأخرى”.
والمحتل الفرنسي لم تكن لتغيب عنه مثل هذه الحقائق, ولم يكن من البلاهة أو السذاجة لكي يأمن جانبهم أو يتعامل معهم على أنهم أصدقاء.
لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نتجاهل مثل هذه الحقائق, إذا أردنا حقيقة أن نفهم تاريخنا بشكل صحيح, ماذا يضيرنا إن اعترفنا بها.
وقد أدت هذه الزاوية الرمز أدوارا عدة في تاريخ هذا الشعب المقاوم، علمية دينية ثقافية اجتماعية اقتصادية.
يتناول الكتاب التعريف بهذا المعلم الحضاري, الأدوار التي قامت بها الزاوية الهاملية القاسمية: العلمية، السياسية, الاجتماعية، الثقافية…
منذ نشأتها سنة 1862 إلى غاية الاستقلال، متابعة التطورات والمشاركة في الحياة الاجتماعية, المساهمة في الفعل الحضاري, والمحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية….
الدور العلمي
عملت الزاوية القاسمية على نشر القرآن، وتخرج منها أعداد هائلة من حفظة القرآن من معظم نواحي القطر الجزائري، وفي تقرير للسلطات الفرنسية نجد أن عدد الطلبة سنويا يتراوح بين 200و 300 وهو عدد لا يستهان به مقارنة بالظروف المحيطة آنذاك، وكان يدرسهم حوالي 19 أستاذا، منهم الشيخ إدريس، عاشور، محمد بن عبد الرحمن الديسي، محمد بن الحاج محمد….الخ.
طريقة حفظه هي الطريقة المعروفة في كامل المغرب العربي، بواسطة اللوحة. وهي قطعة من الخشب صغيرة، حجرة الصلصال تمحى بها اللوحة عند حفظ الآيات المكتوبة، الصمغ: المصنوع من الصوف التقليدي والحبر، القلم: وهو مصنوع من القصب المحلي الموجود على ضفاف الوادي.
بعدها ينتقل الطالب إلى تلقي مختلف العلوم الشرعية، فيمكن له الالتحاق بحلقة الفقه أو اللغة أو التفسير طبعا مع احترام البرامج والنظام المطبق داخل الزاوية. وهناك مستويات للأخذ والتلقي: مستوى أول، مستوى ثاني، مستوى أعلى
لقد قدر بعضهم عدد الطلبة في نهاية القرن 19 من 700 إلى 800 طالب، وذكرت التقارير الفرنسية أن عددهم ما بين 200 و 300، وقد نزل هذا العدد فيما بعد إلى 200 طالب (سنة 1940) من بينهم أكثر من 50% يتمتعون بالنظام الداخلي.
وفي رسالة لسيدي محمد قدر عدد الطلبة في نهاية القرن بحوالي ألف طالب، وذكر بذلك أنها تضم عددا أكبر من عدد طلبة جامع الزيتونة بتونس وجامع القرويين بفاس وحتى الأزهر نفسه.
وفي تقرير للسلطات الفرنسية نجد أن عدد الطلبة سنويا يتراوح ما بين ( 200و 300 ) وهو عدد لا يستهان به مقارنة بالظروف المحيطة آنذاك، وكان يدرسهم حوالي 19 أستاذا، منهم الشيخ إدريس، عاشور، محمد بن عبد الرحمن الديسي، محمد بن الحاج محمد….الخ.
هذا في المرحلة الأولى من عمله إذا استطعنا أن نقسم عمله إلى مرحلتين:
1- ما قبل الشيخ المختار: سنوات التكوين الأولى، تأثير المؤسس في أفراد يتبعونه يمدهم بالتماسك أو الديناميكية.
2- ما بعد الشيخ المختار: وهي ما نستطيع تسميته بنمو الجماعة، ونجد هنا اتجاها من المؤسس نحو وضع قواعد تنظيمية للحياة والسلوك.
والتي سماها مدرسة عليا، لأنها لم تكن زاوية بالمعنى الصوفي والاصطلاحي للزاوية، بل كانت دروس تلقى في مسجد القرية قبل إنشاء الزاوية.
وتعتبر هذه المرحلة كمقدمة وتمهيد لما سيأتي من أعمال ومواقف.
وتأسيس الزاوية الحالية 1863 هو المنعطف ونقطة التحول والانطلاق في تطوير العملية التعليمية.
فقد كانت تدرس العلوم والفنون المعروفة في تلك الفترة: الفقه، التفسير، الحديث، النحو والبلاغة.
ازدادت الأمور تعقيدا خصوصا بعد مجيء الحكومة الماسونية 1871 قيام الجمهورية الثالثة، والتي ضيقت الخناق على الزوايا والمدارس الحرة وفرضت القوانين والأحكام الجائرة لمراقبتها والحد من نشاطها.
” توضع المدارس الخاصة الإسلامية- مدرسة قرآنية، مسيد، زاوية، مدرسة تحت مراقبة وتفتيش السلطات المحددة بواسطة قانون 30 أكتوبر 1886. مراقبتها إذا كانت محرضة أم لا ضد الدستور”، وأصبح فتح زاوية يقتضي تصريحا من السلطات الرسمية.
وكانت زاوية الهامل تتمتع بنوع من الحرية المراقبة، وكان عليها أن تعي هذه الحقيقة جيدا وتتعامل مع هذا المعطي بذكاء كي لا تتعرض للإغلاق وتستمر في أداء رسالتها التعليمية الإصلاحية.
إن الحكم على الموقف يتطلب التأمل والنظر في الظروف المحيطة به، إن تأسيس زاوية لتدريس العلوم الشرعية في العهد الاستعماري أمر من الصعوبة بمكان، وتكتنفه مخاطر جمة وعراقيل عظيمة، قد نقول أنها أسست في 1863 قبل صدور قوانين التضييق والإغلاق، لكن مسايرتها للظروف ومحاولة التغلب عليها ونشاطها الخفي السري في مواجهة الاستعمار وتحضير القاعدة الصلبة لمواجهة العدو كل هذا تطلب جهدا جبارا وصبر وشجاعة عظيمين.
وقد كان الأستاذ بنفسه يختار الكتب التي يدرسها ويشرحها لتلامذته، ككتاب الواحدي في التفسير وابن أبي جمرة في الحديث والرسالة القشيرية في التصوف، وقد كان لا يترك الدروس في علوم عديدة من الفقه والتفسير والحديث والنحو والكلام وغير ذلك، أما الفقه فقد كان من سنة 1278 إلى 1288 يتولى درس الفقه بنفسه ثم فوض تدريسه إلى نجباء طلبته….