قصيدةِ البُردةِ المباركةِ كاملةً
للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري
مَزَجْتَ دَمعــا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ**أمِنْ تَــذَكِّرِ جيرانٍ بــذي سَــلَمِ
وأومَضَ البرقُ في الظَّلمـاءِ مِن اِضَمِ**أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقــاءِ كــاظِمَةٍ
وما لقلبِكَ اِن قلتَ اسـتَفِقْ يَهِــمِ ** فـما لِعَينـيك اِن قُلتَ اكْفُفَـا هَمَـتَا
ما بينَ منسَــجِمٍ منه ومُضْـطَـرِمِ **أيحَســب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِــمٌ
ولا أَرِقْتَ لِــذِكْرِ البـانِ والعَلَـمِ **لولا الهوى لم تُرِقْ دمعـــا على طَلِلِ
به عليـك عُدولُ الدمـعِ والسَّـقَمِ **فكيفَ تُنْكِـرُ حبا بعدمـا شَــهِدَت
مثلَ البَهَـارِ على خَدَّيـك والعَنَـمِ ** وأثبَتَ الـوَجْدُ خَـطَّي عَبْرَةٍ وضَـنَى
والحُبُّ يعتَـرِضُ اللـذاتِ بالأَلَـمِ ** نَعَم سـرى طيفُ مَن أهـوى فـأَرَّقَنِي
مِنِّي اليـك ولَو أنْصَفْـتَ لَم تَلُـمِ ** يــا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعـذرَةً
عن الوُشــاةِ ولا دائي بمُنحَسِــمِ **عَدَتْـــكَ حالي لا سِـرِّي بمُسْـتَتِرٍ
اِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُــذَّالِ في صَمَـمِ**مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَســتُ أسمَعُهُ
والشَّـيْبُ أبعَـدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ**اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّـيْبِ فِي عَذَلِي
مِن جهلِـهَا بنذير الشَّـيْبِ والهَـرَمِ**فـانَّ أمَّارَتِي بالسـوءِ مــا اتَّعَظَت
ضَيفٍ أَلَـمَّ برأسـي غيرَ مُحتشِـم **ِولا أعَــدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى
كتمتُ سِـرَّا بَــدَا لي منه بالكَتَمِ **لــو كنتُ أعلـمُ أنِّي مــا أُوَقِّرُهُ
كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيــلِ بالُّلُـجُمِ** مَن لي بِرَدِّ جِمَــاح مِن غَوَايتِهَــا
اِنَّ الطعـامَ يُقوِّي شــهوةَ النَّهِم**ِ
حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِــمِ** فـلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْـرَ شـهوَتهَا
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى**
اِنَّ الهوى مـا تَـوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ** فاصْرِف هواهــا وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ
واِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِـمِ** وراعِهَـا وهْيَ في الأعمال سـائِمَةٌ
مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَـمِ** كَـم حسَّــنَتْ لَـذَّةً للمرءِ قاتِلَةً
فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَـــرٌّ مِنَ التُّـخَمِ** واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ
مِن المَحَـارِمِ والْزَمْ حِميَـةَ َالنَّـدَمِ** واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَـدِ امْتَلأتْ
واِنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصحَ فاتَّهِـمِ** وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا
فأنت تعرفُ كيـدَ الخَصمِ والحَكَـمِ** ولا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَــا
أنِ اشـتَكَتْ قدمَــاهُ الضُّرَّ مِن وَرَمِ** ظَلمتُ سُـنَّةَ مَن أحيــا الظلامَ الى
تحتَ الحجارةِ كَشْــحَاَ ًمُتْرَفَ الأَدَمِ** وشَدَّ مِن سَغَبٍ أحشــاءَهُ وطَـوَى
عن نفسِـه فـأراها أيَّمَـــا شَمَمِ** وراوَدَتْــهُ الجبالُ الشُّـمُّ مِن ذَهَبٍ
اِنَّ الضرورةَ لا تعــدُو على العِصَمِ** وأكَّــدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُــهُ
والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ** محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْنِ
أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ** نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ
لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ** هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ
مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ** دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ
ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ ولا كَـرَمِ** فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ
غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَـمِ** وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ
مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَـمِ** وواقِفُـونَ لَدَيــهِ عنـدَ حَدِّهِــمِ
ثم اصطفـاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَــم**ِ فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ
فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ** مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ
واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِـمِ** دَع مــا ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِـمِ
وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ **وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ
حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ** فَــاِنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له
أحيـا اسمُهُ حين يُـدعَى دارِسَ الرِّمَمِ** لو نـاسَـبَتْ قَـدْرَهُ آيـاتُهُ عِظَمَـاً
حِرصَـاً علينـا فلم نرتَـبْ ولم نَهِمِ** لم يمتَحِنَّــا بمـا تَعيَــا العقولُ بـه
في القُرْبِ والبُعـدِ فيه غـيرُ مُنفَحِمِ** أعيـا الورى فَهْمُ معنــاهُ فليسَ يُرَى
صغيرةً وتُكِـلُّ الطَّـرْفَ مِن أَمَـمِ** كـالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُــعُدٍ
قَــوْمٌ نِيَــامٌ تَسَلَّوا عنه بـالحُلُمِ** وكيفَ يُــدرِكُ في الدنيــا حقيقَتَهُ
وأَنَّــهُ خيرُ خلْـقِ الله كُـــلِّهِمِ** فمَبْلَغُ العِــلمِ فيه أنــه بَشَــرٌ
فــانمـا اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِــمِ** وكُــلُّ آيٍ أتَى الرُّسْـلُ الكِـرَامُ بِهَا
يُظهِرْنَ أنـوارَهَا للنــاسِ في الظُّلَمِ** فـاِنَّهُ شمـسُ فَضْلٍ هُـم كــواكِبُهَا
بالحُسـنِ مشـتَمِلٌ بالبِشْـرِ مُتَّسِـمِ** أكــرِمْ بخَلْـقِ نبيٍّ زانَــهُ خُلُـقٌ
والبحرِ في كَــرَمٍ والـدهرِ في هِمَمِ** كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبـدرِ في شَـرَفٍ
في عسـكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَــمِ** كــأنَّهُ وهْـوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِــهِ
مِن مَعْــدِنَيْ مَنْطِـقٍ منه ومبتَسَـمِ** كـــأنَّمَا اللؤلُؤُ المَكنُونُ في صَدَفٍ
طوبى لمُنتَشِـقٍ منـــه ومـلتَثِـمِ** لا طيبَ يَعــدِلُ تُرْبَـا ضَمَّ أعظُمَهُ
يـــا طِيبَ مُبتَـدَاٍ منه ومُختَتَـمِ** أبــانَ مولِدُهُ عن طِيــبِ عنصُرِهِ
قَــد أُنـذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ** يَــومٌ تَفَرَّسَ فيــه الفُرسُ أنَّهُـمُ
كَشَـملِ أصحابِ كِسـرَى غيرَ مُلتَئِمِ** وبـاتَ اِيوَانُ كِسـرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
عليه والنهرُ سـاهي العَيْنِ مِن سَـدَمِ** والنارُ خـامِدَةُ الأنفـاسِ مِن أَسَـفٍ
وَرُدَّ وارِدُهَـا بــالغَيْظِ حينَ ظَـمِي** وسـاءَ سـاوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَـا
حُزْنَـاً وبـالماءِ ما بـالنار مِن ضَـرَمِ** كــأَنَّ بالنـارِ ما بالمـاءِ مِن بَلَـلٍ
والحـقُّ يظهَـرُ مِن معنىً ومِن كَـلِمِ** والجِنُّ تَهتِفُ والأنــوارُ ســاطِعَةٌ
تُسمَعْ وبـــارِقَةُ الاِنذارِ لم تُشَـمِ** عَمُوا وصَمُّوا فــاِعلانُ البشـائِرِ لم
بــأنَّ دينَـهُـمُ المُعـوَجَّ لم يَقُـمِ** مِن بعـدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كــاهِنُهُم
مُنقَضَّةٍ وَفـقَ مـا في الأرضِ مِن صَنَمِ** وبعـد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُـهُبٍ
مِن الشـياطينِ يقفُو اِثْــرَ مُنهَـزِمِ** حتى غَــدا عن طـريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ
أو عَسكَرٌ بـالحَصَى مِن راحَتَيْـهِ رُمِي** كــأنَّهُم هَرَبَــا أبطــالُ أبْرَهَـةٍ
نَبْـذَ المُسَبِّحِ مِن أحشــاءِ ملتَقِـمِ** نَبْذَا به بَعــدَ تسـبيحٍ بِبَـطنِهِمَــا
تمشِـي اِليه على سـاقٍ بــلا قَدَمِ** جاءت لِــدَعوَتِهِ الأشـجارُ سـاجِدَةً
فُرُوعُهَـا مِن بـديعِ الخَطِّ في الَّلـقَمِ** كــأنَّمَا سَـطَرَتْ سـطرا لِمَا كَتَبَتْ
تَقِيـهِ حَرَّ وَطِيـسٍ للهَجِــيرِ حَمِي** مثلَ الغمــامَةِ أَنَّى سـارَ ســائِرَةً
وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي** وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ
وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ** فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا
خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ** ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على
مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ** وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ
اِلا ونِــلتُ جِـوَارَاً منه لم يُـضَمِ** ما سـامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واسـتَجَرتُ بِهِ
اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن خيرِ مُسـتَلَمِ* *ولا التَمســتُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِن يَـدِهِ
قَلْبَاً اِذا نــامَتِ العينـانِ لم يَنَـمِ** لا تُنكِـــرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَـاهُ اِنَّ لَهُ
فليسَ يُنـكَرُ فيهِ حـالُ مُحتَلِــمِ** وذاكَ حينَ بُلُــوغٍ مِن نُبُوَّتِــــهِ
ولا نــبيٌّ على غيــبٍ بمُتَّهَـمِ** تبــارَكَ اللهُ مــا وَحيٌ بمُكتَسَـبٍ
وأطلَقَتْ أَرِبَــاً مِن رِبــقَةِ اللمَمِ** كَــم أبْرَأَتْ وَصِبَـاً باللمسِ راحَتُهُ
حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُـمِ** وأَحْيت السَــنَةَ الشَّــهباءَ دَعوَتُهُ
سَـيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَـيْلٌ مِنَ العَرِمِ** بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَـاحَ بهــا
ظهُورَ نـارِ القِرَى ليـلا على عَـلَمِ* *دَعنِي وَوَصفِيَ آيـــاتٍ له ظهَرَتْ
وليس يَـنقُصُ قَــدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ** فالــدُّرُ يزدادُ حُسـناً وَهْوَ مُنتَظِمُ
مـا فيـه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ** فمَــا تَطَـاوُلُ آمــالِ المدِيحِ الى
قــديمَةٌ صِفَةُ الموصـوفِ بالقِـدَمِ** آيــاتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَــةٌ
عَنِ المَعَـــادِ وعَن عـادٍ وعَن اِرَمِ** لم تَقتَرِن بزمـــانٍ وَهْيَ تُخبِرُنــا
مِنَ النَّبيينَ اِذ جــاءَتْ ولَم تَـدُمِ** دامَتْ لدينـا ففاقَتْ كُــلَّ مُعجِزَةٍ
لــذي شِـقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ** مُحَكَّـمَاتٌ فمــا تُبقِينَ مِن شُـبَهٍ
أَعـدَى الأعـادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ** ما حُورِبَت قَطُّ الا عــادَ مِن حَرَبٍ
رَدَّ الغَيُورِ يَـدَ الجــانِي عَن الحُرَمِ** رَدَّتْ بلاغَتُهَــا دَعوى مُعارِضِهَـا
وفَـوقَ جَوهَرِهِ في الحُسـنِ والقِيَمِ** لها مَعَــانٍ كَموْجِ البحرِ في مَـدَدٍ
ولا تُسَـامُ على الاِكثــارِ بالسَّأَمِ** فَمَـا تُـعَدُّ ولا تُحـصَى عجائِبُهَـا
لقـد ظَفِـرتَ بحَبْـلِ الله فـاعتَصِمِ** قَرَّتْ بَهـا عينُ قارِيها فقُلتُ لــه
مِنَ العُصَاةِ وقَــد جاؤُوهُ كالحُمَـمِ** كــأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِـهِ
فالقِسطُ مِن غيرِهَا في النـاسِ لم يَقُمِ** وكـالصِّراطِ وكـالميزانِ مَعدَلَــةً
تجاهُلا وَهْـوَ عـينُ الحـاذِقِ الفَهِمِ** لا تَعجَبَنْ لِحَسُـودٍ راحَ يُنكِرُهَــا
ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ المـاءِ مِن سَــقَمِ** قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
سعيَــا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُـمِ** يـا خيرَ مَن يَمَّمَ العـافُونَ سـاحَتَهُ
ومَن هُـوَ النِّعمَــةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ** ومَن هُــوَ الآيـةُ الكُبرَى لمُعتَبِـرٍ
كما سَـرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ** سَرَيتَ مِن حَـرَمٍ ليــلا الى حَرَمِ
مِن قابَ قوسَـيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُـرَمِ** وبِتَّ ترقَى الى أن نِلـتَ مَنزِلَــةً
والرُّسْـلِ تقديمَ مخـدومٍ على خَـدَمِ** وقَـدَّمَتْكَ جميعُ الأنبيـاءِ بهـــا
في مَوكِبٍ كُنتَ فيـه صاحِبَ العَـلَمِ** وأنتَ تَختَرِقُ الســبعَ الطِّبَاقَ بهم
مِنَ الـــدُّنُوِّ ولا مَرقَىً لمُســتَنِمِ** حتى اذا لم تدَعْ شَــأْوَاً لمُســتَبِقٍ
نُودِيتَ بالـرَّفعِ مثلَ المُفرَدِ العَــلَمِ** خَفَضْتَ كُــلَّ مَقَامٍ بالاضـافَةِ اِذ
عَنِ العُيــون وسِـــرٍّ أيِّ مُكتَتِمِ** كيما تَفُوزَ بِوَصْــلٍ أيِّ مُســتَتِرِ
وجُزْتَ كُــلَّ مَقَــامٍ غيرَ مُزدَحَمِ** فَحُزتَ كُــلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشـتَرَكٍ
وعَزَّ اِدراكُ مــا أُولِيتَ مِن نِعَــمِ** وجَـلَّ مِقـدَارُ مـا وُلِّيتَ مِن رُتَبٍ
مِنَ العِنَايَـةِ رُكنَــاً غيرَ منهَــدِمِ** بُشـرَى لنا مَعشَـرَ الاسـلامِ اِنَّ لنا
بـأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّـا أكـرَمَ الأُمَـمِ** لمَّـا دَعَى اللهُ داعينــا لطــاعَتِهِ
كَنَبـأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْــلا مِنَ الغَنَـمِ** راعَتْ قلوبَ العِـدَا أنبـــاءُ بِعثَتِهِ
حتى حَكَوْا بالقَنَـا لَحمَا على وَضَـمِ** مـا زالَ يلقــاهُمُ في كُـلِّ مُعتَرَكٍ
أشـلاءَ شـالَتْ مَعَ العُقبَـانِ والرَّخَمِ** وَدُّوا الفِرَارَ فكــادُوا يَغبِطُونَ بـه
ما لم تَكُن مِن ليــالِي الأُشهُرِ الحُـرُمِ** تَمضِي الليـالي ولا يَدرُونَ عِدَّتَهَـا
بكُــلِّ قَرْمٍ الى لَحمِ العِــدَا قَـرِمِ** كـأنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سـاحَتَهُم
يـرمي بمَوجٍ من الأبطــالِ ملتَـطِمِ** يَجُـرُّ بحـرَ خميسٍ فَوقَ ســابِحَةٍ
يَسـطُو بمُسـتَأصِلٍ للكُفرِ مُصطَـلِمِ** مِن كُــلِّ منـتَدِبٍ لله مُحتَسِـبٍ
مِن بَعــدِ غُربَتِهَا موصولَةَ الرَّحِـمِ** حتى غَدَتْ مِلَّةُ الاسـلامِ وَهْيَ بهـم
وخيرِ بَعـلٍ فــلم تَيْتَـمْ ولم تَئِـمِ** مَكفولَـةً أبـدَاً منهـم بِـخَيرِ أَبٍ
مــاذا لَقِي منهم في كُـلِّ مُصطَدَمِ** هُمُ الجبـالُ فَسَـلْ عنهُم مُصَادِمَهُم
فُصـولُ حَتْفٍ لَهم أدهى مِنَ الوَخَمِ** وَسَـلْ حُنَيْنَاً وَسَـلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَا
مِنَ العِــدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِن الِّلمَـمِ** المُصدِرِي البِيضِ حُمرَاً بعد ما وَرَدَتْ
أقــلامُهُمْ حَرْفَ جِسمٍ غيرَ مُنعَجِمِ** والكاتِبينَ بِسُــمرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ
والوَرْدُ يمتـازُ بالسِّيمَى عَنِ السَّـلَمِ** شـاكِي السـلاحِ لهم سِيمَى تُمَيِّزُهُم
فتَحسِبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي** تُهدِي اليـكَ رياحُ النَّصرِ نَشْـرَهُمُ
مِن شَـدَّةِ الحَزْمِ لا مِن شـدَّةِ الحُزُمِ** كــأنَّهُم في ظُهورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُبَـاً
فمـا تُـفَرِّقُ بين البَهْـمِ والبُهَـمِ** طارَتْ قلوبُ العِدَا مِن بأسِـهِم فَرَقَاً
اِن تَلْقَهُ الأُسْـدُ في آجــامِهَا تَجِمِ** ومَن تَـكُن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ
بِــهِ ولا مِن عَــدُوٍّ غيرَ مُنعَجِمِ** ولَن تَــرى مِن وَلِيٍّ غيرَ منتَصِـرٍ
كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشـبالِ فِي أَجَمِ** أَحَــلَّ أُمَّتَـهُ في حِـرْزِ مِلَّتِــهِ
فيه وكـم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ** كَـم جَدَّلَتْ كَـلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ
في الجاهـليةِ والتــأديبَ في اليُتُمِ** كفــاكَ بـالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً
ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ** خَدَمْتُهُ بمديــحٍ أســتَقِيلِ بِـهِ
كــأنني بِهِــمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ** اِذ قَـلَّدَانِيَ ما تُخشَـى عـواقِبُـهُ
حَصَلتُ الا على الآثـامِ والنَّـدَمِ** أَطَعتُ غَيَّ الصِّبَا في الحالَتَيْنِ ومــا
لَم تَشتَرِ الدِّينَ بـالدنيا ولم تَسُـمِ** فيـا خَسَــارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِهَـا
بِينَ لـه الغَبْنُ في بَيْـعٍ وفي سَـلَمِ** ومَن يَبِــعْ آجِـلا منه بـعاجِلِـهِ
مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبـلِي بمُنصَـــرِمِ** اِنْ آتِ ذَنْبَـاً فمــا عَهدِي بمُنتَقِضٍ
مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بــالذِّمَمِ** فـــاِنَّ لي ذِمَّةً منــه بتَسـمِيَتِي
فَضْلا والا فَقُــلْ يــا زَلَّةَ القَدَمِ** اِنْ لم يكُـن في مَعَـادِي آخِذَاً بِيَدِي
أو يَرجِعَ الجــارُ منه غيرَ مُحـتَرَمِ** حاشــاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ
وجَدْتُـهُ لخَلاصِي خــيرَ مُلتَـزِمِ** ومُنذُ أَلزَمْتُ أفكَـــارِي مَدَائِحَهُ
اِنَّ الحَيَـا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأَكَـمِ** ولَن يَفُوتَ الغِنَى منه يَــدَاً تَرِبَتْ
يَــدَا زُهَيْرٍ بمـا أثنَى على هَـرِمِ** ولَم أُرِدْ زَهرَةَ الدنيـا التي اقتَطَفَتْ
سِـوَاكَ عِنـدَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ** يــا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به
اذا الكريمُ تَجَلَّى بــاسمِ مُنتَقِـمِ** ولَن يَضِيقَ رسـولَ اللهِ جاهُكَ بي
اِنَّ الكَبَـائِرَ في الغُفرَانِ كـالَّلمَـمِ** يا نَفْـسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ
تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ** لعَـلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِــمُهَا
لَدَيْـكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ** يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ
صَبرَاً مَتَى تَـدعُهُ الأهـوالُ ينهَزِمِ** والطُفْ بعَبدِكَ في الدَّارَينِ اِنَّ لَـهُ
عـلى النبِيِّ بِمُنْهَــلٍّ ومُنسَـجِم** وائذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منك دائِمَةٍ
وأَطرَبَ العِيسَ حادِي العِيسِ بالنَّغَمِ** ما رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ البَانِ رَيحُ صَبَـا
وعَن عَلِيٍّ وعَن عثمـانَ ذِي الكَرَمِ** ثُمَّ الرِّضَـا عَن أبي بَكرٍ وعَن عُمَرَ
أهلُ التُّقَى والنَّقَى والحِلْمِ والكَـرَمِ** والآلِ والصَّحبِ ثُمَّ التَّابِعِينَ فَهُـمْ
للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري
مَزَجْتَ دَمعــا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ**أمِنْ تَــذَكِّرِ جيرانٍ بــذي سَــلَمِ
وأومَضَ البرقُ في الظَّلمـاءِ مِن اِضَمِ**أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقــاءِ كــاظِمَةٍ
وما لقلبِكَ اِن قلتَ اسـتَفِقْ يَهِــمِ ** فـما لِعَينـيك اِن قُلتَ اكْفُفَـا هَمَـتَا
ما بينَ منسَــجِمٍ منه ومُضْـطَـرِمِ **أيحَســب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِــمٌ
ولا أَرِقْتَ لِــذِكْرِ البـانِ والعَلَـمِ **لولا الهوى لم تُرِقْ دمعـــا على طَلِلِ
به عليـك عُدولُ الدمـعِ والسَّـقَمِ **فكيفَ تُنْكِـرُ حبا بعدمـا شَــهِدَت
مثلَ البَهَـارِ على خَدَّيـك والعَنَـمِ ** وأثبَتَ الـوَجْدُ خَـطَّي عَبْرَةٍ وضَـنَى
والحُبُّ يعتَـرِضُ اللـذاتِ بالأَلَـمِ ** نَعَم سـرى طيفُ مَن أهـوى فـأَرَّقَنِي
مِنِّي اليـك ولَو أنْصَفْـتَ لَم تَلُـمِ ** يــا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعـذرَةً
عن الوُشــاةِ ولا دائي بمُنحَسِــمِ **عَدَتْـــكَ حالي لا سِـرِّي بمُسْـتَتِرٍ
اِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُــذَّالِ في صَمَـمِ**مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَســتُ أسمَعُهُ
والشَّـيْبُ أبعَـدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ**اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّـيْبِ فِي عَذَلِي
مِن جهلِـهَا بنذير الشَّـيْبِ والهَـرَمِ**فـانَّ أمَّارَتِي بالسـوءِ مــا اتَّعَظَت
ضَيفٍ أَلَـمَّ برأسـي غيرَ مُحتشِـم **ِولا أعَــدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى
كتمتُ سِـرَّا بَــدَا لي منه بالكَتَمِ **لــو كنتُ أعلـمُ أنِّي مــا أُوَقِّرُهُ
كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيــلِ بالُّلُـجُمِ** مَن لي بِرَدِّ جِمَــاح مِن غَوَايتِهَــا
اِنَّ الطعـامَ يُقوِّي شــهوةَ النَّهِم**ِ
حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِــمِ** فـلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْـرَ شـهوَتهَا
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى**
اِنَّ الهوى مـا تَـوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ** فاصْرِف هواهــا وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ
واِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِـمِ** وراعِهَـا وهْيَ في الأعمال سـائِمَةٌ
مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَـمِ** كَـم حسَّــنَتْ لَـذَّةً للمرءِ قاتِلَةً
فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَـــرٌّ مِنَ التُّـخَمِ** واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ
مِن المَحَـارِمِ والْزَمْ حِميَـةَ َالنَّـدَمِ** واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَـدِ امْتَلأتْ
واِنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصحَ فاتَّهِـمِ** وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا
فأنت تعرفُ كيـدَ الخَصمِ والحَكَـمِ** ولا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَــا
أنِ اشـتَكَتْ قدمَــاهُ الضُّرَّ مِن وَرَمِ** ظَلمتُ سُـنَّةَ مَن أحيــا الظلامَ الى
تحتَ الحجارةِ كَشْــحَاَ ًمُتْرَفَ الأَدَمِ** وشَدَّ مِن سَغَبٍ أحشــاءَهُ وطَـوَى
عن نفسِـه فـأراها أيَّمَـــا شَمَمِ** وراوَدَتْــهُ الجبالُ الشُّـمُّ مِن ذَهَبٍ
اِنَّ الضرورةَ لا تعــدُو على العِصَمِ** وأكَّــدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُــهُ
والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ** محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْنِ
أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ** نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ
لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ** هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ
مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ** دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ
ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ ولا كَـرَمِ** فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ
غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَـمِ** وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ
مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَـمِ** وواقِفُـونَ لَدَيــهِ عنـدَ حَدِّهِــمِ
ثم اصطفـاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَــم**ِ فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ
فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ** مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ
واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِـمِ** دَع مــا ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِـمِ
وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ **وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ
حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ** فَــاِنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له
أحيـا اسمُهُ حين يُـدعَى دارِسَ الرِّمَمِ** لو نـاسَـبَتْ قَـدْرَهُ آيـاتُهُ عِظَمَـاً
حِرصَـاً علينـا فلم نرتَـبْ ولم نَهِمِ** لم يمتَحِنَّــا بمـا تَعيَــا العقولُ بـه
في القُرْبِ والبُعـدِ فيه غـيرُ مُنفَحِمِ** أعيـا الورى فَهْمُ معنــاهُ فليسَ يُرَى
صغيرةً وتُكِـلُّ الطَّـرْفَ مِن أَمَـمِ** كـالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُــعُدٍ
قَــوْمٌ نِيَــامٌ تَسَلَّوا عنه بـالحُلُمِ** وكيفَ يُــدرِكُ في الدنيــا حقيقَتَهُ
وأَنَّــهُ خيرُ خلْـقِ الله كُـــلِّهِمِ** فمَبْلَغُ العِــلمِ فيه أنــه بَشَــرٌ
فــانمـا اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِــمِ** وكُــلُّ آيٍ أتَى الرُّسْـلُ الكِـرَامُ بِهَا
يُظهِرْنَ أنـوارَهَا للنــاسِ في الظُّلَمِ** فـاِنَّهُ شمـسُ فَضْلٍ هُـم كــواكِبُهَا
بالحُسـنِ مشـتَمِلٌ بالبِشْـرِ مُتَّسِـمِ** أكــرِمْ بخَلْـقِ نبيٍّ زانَــهُ خُلُـقٌ
والبحرِ في كَــرَمٍ والـدهرِ في هِمَمِ** كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبـدرِ في شَـرَفٍ
في عسـكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَــمِ** كــأنَّهُ وهْـوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِــهِ
مِن مَعْــدِنَيْ مَنْطِـقٍ منه ومبتَسَـمِ** كـــأنَّمَا اللؤلُؤُ المَكنُونُ في صَدَفٍ
طوبى لمُنتَشِـقٍ منـــه ومـلتَثِـمِ** لا طيبَ يَعــدِلُ تُرْبَـا ضَمَّ أعظُمَهُ
يـــا طِيبَ مُبتَـدَاٍ منه ومُختَتَـمِ** أبــانَ مولِدُهُ عن طِيــبِ عنصُرِهِ
قَــد أُنـذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ** يَــومٌ تَفَرَّسَ فيــه الفُرسُ أنَّهُـمُ
كَشَـملِ أصحابِ كِسـرَى غيرَ مُلتَئِمِ** وبـاتَ اِيوَانُ كِسـرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
عليه والنهرُ سـاهي العَيْنِ مِن سَـدَمِ** والنارُ خـامِدَةُ الأنفـاسِ مِن أَسَـفٍ
وَرُدَّ وارِدُهَـا بــالغَيْظِ حينَ ظَـمِي** وسـاءَ سـاوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَـا
حُزْنَـاً وبـالماءِ ما بـالنار مِن ضَـرَمِ** كــأَنَّ بالنـارِ ما بالمـاءِ مِن بَلَـلٍ
والحـقُّ يظهَـرُ مِن معنىً ومِن كَـلِمِ** والجِنُّ تَهتِفُ والأنــوارُ ســاطِعَةٌ
تُسمَعْ وبـــارِقَةُ الاِنذارِ لم تُشَـمِ** عَمُوا وصَمُّوا فــاِعلانُ البشـائِرِ لم
بــأنَّ دينَـهُـمُ المُعـوَجَّ لم يَقُـمِ** مِن بعـدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كــاهِنُهُم
مُنقَضَّةٍ وَفـقَ مـا في الأرضِ مِن صَنَمِ** وبعـد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُـهُبٍ
مِن الشـياطينِ يقفُو اِثْــرَ مُنهَـزِمِ** حتى غَــدا عن طـريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ
أو عَسكَرٌ بـالحَصَى مِن راحَتَيْـهِ رُمِي** كــأنَّهُم هَرَبَــا أبطــالُ أبْرَهَـةٍ
نَبْـذَ المُسَبِّحِ مِن أحشــاءِ ملتَقِـمِ** نَبْذَا به بَعــدَ تسـبيحٍ بِبَـطنِهِمَــا
تمشِـي اِليه على سـاقٍ بــلا قَدَمِ** جاءت لِــدَعوَتِهِ الأشـجارُ سـاجِدَةً
فُرُوعُهَـا مِن بـديعِ الخَطِّ في الَّلـقَمِ** كــأنَّمَا سَـطَرَتْ سـطرا لِمَا كَتَبَتْ
تَقِيـهِ حَرَّ وَطِيـسٍ للهَجِــيرِ حَمِي** مثلَ الغمــامَةِ أَنَّى سـارَ ســائِرَةً
وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي** وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ
وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ** فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا
خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ** ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على
مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ** وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ
اِلا ونِــلتُ جِـوَارَاً منه لم يُـضَمِ** ما سـامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واسـتَجَرتُ بِهِ
اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن خيرِ مُسـتَلَمِ* *ولا التَمســتُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِن يَـدِهِ
قَلْبَاً اِذا نــامَتِ العينـانِ لم يَنَـمِ** لا تُنكِـــرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَـاهُ اِنَّ لَهُ
فليسَ يُنـكَرُ فيهِ حـالُ مُحتَلِــمِ** وذاكَ حينَ بُلُــوغٍ مِن نُبُوَّتِــــهِ
ولا نــبيٌّ على غيــبٍ بمُتَّهَـمِ** تبــارَكَ اللهُ مــا وَحيٌ بمُكتَسَـبٍ
وأطلَقَتْ أَرِبَــاً مِن رِبــقَةِ اللمَمِ** كَــم أبْرَأَتْ وَصِبَـاً باللمسِ راحَتُهُ
حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُـمِ** وأَحْيت السَــنَةَ الشَّــهباءَ دَعوَتُهُ
سَـيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَـيْلٌ مِنَ العَرِمِ** بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَـاحَ بهــا
ظهُورَ نـارِ القِرَى ليـلا على عَـلَمِ* *دَعنِي وَوَصفِيَ آيـــاتٍ له ظهَرَتْ
وليس يَـنقُصُ قَــدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ** فالــدُّرُ يزدادُ حُسـناً وَهْوَ مُنتَظِمُ
مـا فيـه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ** فمَــا تَطَـاوُلُ آمــالِ المدِيحِ الى
قــديمَةٌ صِفَةُ الموصـوفِ بالقِـدَمِ** آيــاتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَــةٌ
عَنِ المَعَـــادِ وعَن عـادٍ وعَن اِرَمِ** لم تَقتَرِن بزمـــانٍ وَهْيَ تُخبِرُنــا
مِنَ النَّبيينَ اِذ جــاءَتْ ولَم تَـدُمِ** دامَتْ لدينـا ففاقَتْ كُــلَّ مُعجِزَةٍ
لــذي شِـقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ** مُحَكَّـمَاتٌ فمــا تُبقِينَ مِن شُـبَهٍ
أَعـدَى الأعـادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ** ما حُورِبَت قَطُّ الا عــادَ مِن حَرَبٍ
رَدَّ الغَيُورِ يَـدَ الجــانِي عَن الحُرَمِ** رَدَّتْ بلاغَتُهَــا دَعوى مُعارِضِهَـا
وفَـوقَ جَوهَرِهِ في الحُسـنِ والقِيَمِ** لها مَعَــانٍ كَموْجِ البحرِ في مَـدَدٍ
ولا تُسَـامُ على الاِكثــارِ بالسَّأَمِ** فَمَـا تُـعَدُّ ولا تُحـصَى عجائِبُهَـا
لقـد ظَفِـرتَ بحَبْـلِ الله فـاعتَصِمِ** قَرَّتْ بَهـا عينُ قارِيها فقُلتُ لــه
مِنَ العُصَاةِ وقَــد جاؤُوهُ كالحُمَـمِ** كــأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِـهِ
فالقِسطُ مِن غيرِهَا في النـاسِ لم يَقُمِ** وكـالصِّراطِ وكـالميزانِ مَعدَلَــةً
تجاهُلا وَهْـوَ عـينُ الحـاذِقِ الفَهِمِ** لا تَعجَبَنْ لِحَسُـودٍ راحَ يُنكِرُهَــا
ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ المـاءِ مِن سَــقَمِ** قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
سعيَــا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُـمِ** يـا خيرَ مَن يَمَّمَ العـافُونَ سـاحَتَهُ
ومَن هُـوَ النِّعمَــةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ** ومَن هُــوَ الآيـةُ الكُبرَى لمُعتَبِـرٍ
كما سَـرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ** سَرَيتَ مِن حَـرَمٍ ليــلا الى حَرَمِ
مِن قابَ قوسَـيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُـرَمِ** وبِتَّ ترقَى الى أن نِلـتَ مَنزِلَــةً
والرُّسْـلِ تقديمَ مخـدومٍ على خَـدَمِ** وقَـدَّمَتْكَ جميعُ الأنبيـاءِ بهـــا
في مَوكِبٍ كُنتَ فيـه صاحِبَ العَـلَمِ** وأنتَ تَختَرِقُ الســبعَ الطِّبَاقَ بهم
مِنَ الـــدُّنُوِّ ولا مَرقَىً لمُســتَنِمِ** حتى اذا لم تدَعْ شَــأْوَاً لمُســتَبِقٍ
نُودِيتَ بالـرَّفعِ مثلَ المُفرَدِ العَــلَمِ** خَفَضْتَ كُــلَّ مَقَامٍ بالاضـافَةِ اِذ
عَنِ العُيــون وسِـــرٍّ أيِّ مُكتَتِمِ** كيما تَفُوزَ بِوَصْــلٍ أيِّ مُســتَتِرِ
وجُزْتَ كُــلَّ مَقَــامٍ غيرَ مُزدَحَمِ** فَحُزتَ كُــلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشـتَرَكٍ
وعَزَّ اِدراكُ مــا أُولِيتَ مِن نِعَــمِ** وجَـلَّ مِقـدَارُ مـا وُلِّيتَ مِن رُتَبٍ
مِنَ العِنَايَـةِ رُكنَــاً غيرَ منهَــدِمِ** بُشـرَى لنا مَعشَـرَ الاسـلامِ اِنَّ لنا
بـأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّـا أكـرَمَ الأُمَـمِ** لمَّـا دَعَى اللهُ داعينــا لطــاعَتِهِ
كَنَبـأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْــلا مِنَ الغَنَـمِ** راعَتْ قلوبَ العِـدَا أنبـــاءُ بِعثَتِهِ
حتى حَكَوْا بالقَنَـا لَحمَا على وَضَـمِ** مـا زالَ يلقــاهُمُ في كُـلِّ مُعتَرَكٍ
أشـلاءَ شـالَتْ مَعَ العُقبَـانِ والرَّخَمِ** وَدُّوا الفِرَارَ فكــادُوا يَغبِطُونَ بـه
ما لم تَكُن مِن ليــالِي الأُشهُرِ الحُـرُمِ** تَمضِي الليـالي ولا يَدرُونَ عِدَّتَهَـا
بكُــلِّ قَرْمٍ الى لَحمِ العِــدَا قَـرِمِ** كـأنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سـاحَتَهُم
يـرمي بمَوجٍ من الأبطــالِ ملتَـطِمِ** يَجُـرُّ بحـرَ خميسٍ فَوقَ ســابِحَةٍ
يَسـطُو بمُسـتَأصِلٍ للكُفرِ مُصطَـلِمِ** مِن كُــلِّ منـتَدِبٍ لله مُحتَسِـبٍ
مِن بَعــدِ غُربَتِهَا موصولَةَ الرَّحِـمِ** حتى غَدَتْ مِلَّةُ الاسـلامِ وَهْيَ بهـم
وخيرِ بَعـلٍ فــلم تَيْتَـمْ ولم تَئِـمِ** مَكفولَـةً أبـدَاً منهـم بِـخَيرِ أَبٍ
مــاذا لَقِي منهم في كُـلِّ مُصطَدَمِ** هُمُ الجبـالُ فَسَـلْ عنهُم مُصَادِمَهُم
فُصـولُ حَتْفٍ لَهم أدهى مِنَ الوَخَمِ** وَسَـلْ حُنَيْنَاً وَسَـلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَا
مِنَ العِــدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِن الِّلمَـمِ** المُصدِرِي البِيضِ حُمرَاً بعد ما وَرَدَتْ
أقــلامُهُمْ حَرْفَ جِسمٍ غيرَ مُنعَجِمِ** والكاتِبينَ بِسُــمرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ
والوَرْدُ يمتـازُ بالسِّيمَى عَنِ السَّـلَمِ** شـاكِي السـلاحِ لهم سِيمَى تُمَيِّزُهُم
فتَحسِبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي** تُهدِي اليـكَ رياحُ النَّصرِ نَشْـرَهُمُ
مِن شَـدَّةِ الحَزْمِ لا مِن شـدَّةِ الحُزُمِ** كــأنَّهُم في ظُهورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُبَـاً
فمـا تُـفَرِّقُ بين البَهْـمِ والبُهَـمِ** طارَتْ قلوبُ العِدَا مِن بأسِـهِم فَرَقَاً
اِن تَلْقَهُ الأُسْـدُ في آجــامِهَا تَجِمِ** ومَن تَـكُن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ
بِــهِ ولا مِن عَــدُوٍّ غيرَ مُنعَجِمِ** ولَن تَــرى مِن وَلِيٍّ غيرَ منتَصِـرٍ
كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشـبالِ فِي أَجَمِ** أَحَــلَّ أُمَّتَـهُ في حِـرْزِ مِلَّتِــهِ
فيه وكـم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ** كَـم جَدَّلَتْ كَـلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ
في الجاهـليةِ والتــأديبَ في اليُتُمِ** كفــاكَ بـالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً
ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ** خَدَمْتُهُ بمديــحٍ أســتَقِيلِ بِـهِ
كــأنني بِهِــمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ** اِذ قَـلَّدَانِيَ ما تُخشَـى عـواقِبُـهُ
حَصَلتُ الا على الآثـامِ والنَّـدَمِ** أَطَعتُ غَيَّ الصِّبَا في الحالَتَيْنِ ومــا
لَم تَشتَرِ الدِّينَ بـالدنيا ولم تَسُـمِ** فيـا خَسَــارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِهَـا
بِينَ لـه الغَبْنُ في بَيْـعٍ وفي سَـلَمِ** ومَن يَبِــعْ آجِـلا منه بـعاجِلِـهِ
مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبـلِي بمُنصَـــرِمِ** اِنْ آتِ ذَنْبَـاً فمــا عَهدِي بمُنتَقِضٍ
مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بــالذِّمَمِ** فـــاِنَّ لي ذِمَّةً منــه بتَسـمِيَتِي
فَضْلا والا فَقُــلْ يــا زَلَّةَ القَدَمِ** اِنْ لم يكُـن في مَعَـادِي آخِذَاً بِيَدِي
أو يَرجِعَ الجــارُ منه غيرَ مُحـتَرَمِ** حاشــاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ
وجَدْتُـهُ لخَلاصِي خــيرَ مُلتَـزِمِ** ومُنذُ أَلزَمْتُ أفكَـــارِي مَدَائِحَهُ
اِنَّ الحَيَـا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأَكَـمِ** ولَن يَفُوتَ الغِنَى منه يَــدَاً تَرِبَتْ
يَــدَا زُهَيْرٍ بمـا أثنَى على هَـرِمِ** ولَم أُرِدْ زَهرَةَ الدنيـا التي اقتَطَفَتْ
سِـوَاكَ عِنـدَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ** يــا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به
اذا الكريمُ تَجَلَّى بــاسمِ مُنتَقِـمِ** ولَن يَضِيقَ رسـولَ اللهِ جاهُكَ بي
اِنَّ الكَبَـائِرَ في الغُفرَانِ كـالَّلمَـمِ** يا نَفْـسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ
تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ** لعَـلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِــمُهَا
لَدَيْـكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ** يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ
صَبرَاً مَتَى تَـدعُهُ الأهـوالُ ينهَزِمِ** والطُفْ بعَبدِكَ في الدَّارَينِ اِنَّ لَـهُ
عـلى النبِيِّ بِمُنْهَــلٍّ ومُنسَـجِم** وائذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منك دائِمَةٍ
وأَطرَبَ العِيسَ حادِي العِيسِ بالنَّغَمِ** ما رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ البَانِ رَيحُ صَبَـا
وعَن عَلِيٍّ وعَن عثمـانَ ذِي الكَرَمِ** ثُمَّ الرِّضَـا عَن أبي بَكرٍ وعَن عُمَرَ
أهلُ التُّقَى والنَّقَى والحِلْمِ والكَـرَمِ** والآلِ والصَّحبِ ثُمَّ التَّابِعِينَ فَهُـمْ